منصة الصباح

ابتذال‭ ‬الكلمة‭ ‬ووأد‭ ‬المعنى

عمق

بقلم /علي‭ ‬المقرحي
عندما‭ ‬نسيء‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭ ‬‮«‬‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الجهل‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬قصور‭ ‬الفهم‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سوء‭ ‬الطوية‭ ‬‮«‬‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬نضعها‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬المواضع‭ ‬المناسبة‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نحرّفها‭ ‬‮«‬‭ ‬نطقاً‭ ‬أو‭ ‬كتابة‭ ‬‮«‬‭ ‬فإن‭ ‬الإساءة‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حروف‭ ‬تلك‭ ‬المفردات‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬تطال‭ ‬روحها‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬معناها‭ ‬وما‭ ‬وجدت‭ ‬أصلاً‭ ‬لتدل‭ ‬عليه‭ .‬
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬‮«‬‭ ‬وهي‭ ‬فعلاً‭ ‬كذلك‭ ‬‮«‬‭ ‬إذ‭ ‬تولد‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬وتتقلب‭ ‬مع‭ ‬صروف‭ ‬العيش‭ ‬وظروفه‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بالحياة‭ ‬تتأثر‭ ‬بها‭ ‬وتؤثر‭ ‬فيها‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬البيئة‭ ‬أي‭ ‬‮«‬‭ ‬الصيغة‭ ‬التي‭ ‬تتقمصها‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬مكاني‭ ‬وزماني‭ ‬ما‭  ‬التي‭ ‬تتخلق‭ ‬فيها‭ ‬الكلمة‭ ‬وتعيش‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬تموت‭ ‬أيضاً‭ ‬،‭ ‬تشترط‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬وسمها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬وأن‭ ‬تحمّلها‭ ‬بالدلالة‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬ماهيتها‭ ‬‮«‬‭ ‬البيئة‭ ‬‮»‬‭ ‬وخصوصيتها‭ ‬،‭ ‬ولأن‭ ‬البيئة‭ ‬ليست‭ ‬حالة‭ ‬طارئة‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬قائمة‭ ‬خارج‭ ‬الزمن‭ ‬والحياة‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬لما‭ ‬اكتنف‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬وصيرورة‭ ‬طوال‭ ‬امتدادات‭ ‬زمنية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتيسر‭ ‬تحديدها‭ ‬كامنة‭ ‬فيما‭ ‬وراءها‭ ‬،‭ ‬فالبيئة‭ ‬الآنية‭ ‬أو‭ ‬الراهنة‭ ‬خلاصة‭ ‬بيئات‭ ‬سبقتها‭ ‬،‭ ‬وناتج‭ ‬وتاريخ‭ ‬نشأت‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬البيئات‭ ‬وازدهرت‭ ‬وخضعت‭ ‬شأن‭ ‬كل‭ ‬الموجودات‭ ‬لسنة‭ ‬التغير‭ ‬والصيرورة‭ ‬لننتهي‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭ ‬هنا‭ ‬والآن‭ .‬
إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الثقافة‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬‮«‬‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الإهتمامات‭ ‬الحياتية‭ ‬والمعاشية‭ ‬‮«‬الأكثر‭ ‬انشغالاً‭ ‬بالمعنى‭ ‬والقيمة‭ ‬كمحددات‭ ‬للوجود‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وللوعي‭ ‬الانساني‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬،‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬،‭ ‬الاهتمام‭ ‬باللعة‭ ‬ودلالاتها‭ ‬واستعمالاتها‭ ‬وما‭ ‬تنفض‭ ‬عنه‭ ‬تلك‭ ‬الاستعمالات‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬حياتية‭ ‬وعملية‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬سياقنا‭ ‬هذا‭ ‬تجيء‭ ‬المحاولة‭ ‬للفت‭ ‬اهتمام‭ ‬المثقفين‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬محاولة‭ ‬يحدها‭ ‬حيز‭ ‬ضيق‭ ‬لا‭ ‬يستوعبها‭ ‬كاملة‭ ‬ولا‭ ‬يفي‭ ‬بحاجتها‭ ‬إلى‭ ‬الوضوح‭ ‬والتفصيل‭ ‬،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يدعوها‭ ‬إلى‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بالتمثيل‭ ‬على‭ ‬غرضها‭ ‬ببضع‭ ‬شواهد‭ ‬تستقيها‭ ‬من‭ ‬ممارساتنا‭ ‬اللغوية‭ ‬السائرة‭ .. ‬فمفردات‭ (‬العلمانية‭ ‬الديموقراطية‭ ‬والاصلاح‭ ‬الديني‭) ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬رائجة‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تطالعنا‭ ‬في‭ ‬الاعلام‭ ‬بمختلف‭ ‬منابره‭ ‬وعبره‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬وأقلام‭ ‬المثقفين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والمحللين‭ ‬والمنظرين‭  … ‬إلى‭ ‬آخره‭. ‬ممن‭ ‬يسمون‭ ‬بالمهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬تسمية‭ ‬بالمناسبة‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬وكأنما‭ ‬صيغت‭ ‬لتفيد‭ ‬أنانية‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يتصدر‭ ‬شاشات‭ ‬المماحكات‭ ‬القبلية‭ ‬والجهوية‭ ‬والايديولوجية‭ ‬أو‭ ‬لايعتد‭ ‬بها‭ ‬ويحملها‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬هو‭ ‬مخلوق‭ ‬أناني‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجسد‭ ‬فيه‭ ‬المهتمون‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬الذين‭ ‬يمارسون‭ (‬صنعة‭ ‬اللي‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬صنعة‭) ‬أنانيات‭ ‬عجفاء‭ ‬متورمة‭ ‬ويسوِّقون‭ ‬انحيازات‭ ‬متدنية‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬الوطني‭ ‬الحقيقي‭ ‬إلّا‭ ‬المهانة‭ ‬له‭ ‬ولوطنه‭ .‬

شاهد أيضاً

الكاتبة والناقدة د.صباح أبو شاقور لمنصة الصباح...العزلة وسادة من حرير أزرق كشفت لي ذاتي المحرومة...!

الكاتبة والناقدة د.صباح أبو شاقور لمنصة الصباح…العزلة وسادة من حرير أزرق كشفت لي ذاتي المحرومة…!

حوار /حنان علي كابو بين العزلة والصمت السردي، والكتابة كمساحة للبوح، تتجلى تجربة د. صباح …