بقلم /عبدالبارى رشيد
حكومة ((الوفاق)) الوطني المنبثقة عن الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات أواخر ديسمبر 2015 والتي تسلمت السلطة بموجبه في شهر مارس من العام 2016م ظلت وطوال الأربعة أعوام الماضية على ((ثوابتها)) التي تتلخص في تأسيس الدولة المدنية تلبية لرغبات وطموحات كافة الليبيين الذين يتطلعون إلى المسار الديمقراطي ويعتبرونه مدخلاً لبناء الدولة المنشودة واعتمدت الوفاق برنامجها السياسي والاقتصادي والأمني وحتى العسكري على تلك الأسس، وحتى في أحلك الظروف التي مرت بها البلاد وتعنى بذلك العدوان على عاصمة كل الليبيين أوائل شهر أبريل من العام الماضي ظلت محافظة على تلك الثوابت باعتبارها الخيار الوحيد أمام الليبيين لتجاوز المرحلة الانتقالية التي طالت واستنزفت وقت وجهد المواطن الذي يريد ترجمة طموحاته في الحرية في أقصر فترة ممكنة ليصل إلى الدولة المنشودة التي تلبى طموحاته ورغباته في التداول السلمى للسلطة وإجازة الدستور الدائم وغير ذلك من المسائل والإجراءات التي تجعل البلاد تقف على أقدامها وتبدأ مسيرة التنمية الاقتصادية وإعادة التأهيل والقضاء على ظاهرة ما يعرف في لغة الاقتصاد بالبطالة ((المُقنّعة)) التي تستنزف طاقات وقدرات الليبيين وتحجبهم عن العمل المنتج والإبداع وغير ذلك من الخطوات التي تؤسس لإقتصاد قوى متعدد المصادر يكفل حياة إجتماعية كريمة لكل مواطن على إمتداد الرقعة الجغرافية لليبيا، وكما ذكرنا فإن خطاب ((الوفاق)) السياسي بالدرجة الأولى لم يتغيّر برغم ظروف الحرب والعدوان على عاصمة كل الليبيين طرابلس، بل ظلت الثوابت كما هي فالسلم الأهلى والاستقرار والأمن لكل مواطن، ونبذ خطاب الكراهية والفتنة هو الغاية والهدف ولقد ترجمت البرامج المطروحة على أرض الواقع بحيث تم مثلاً إستيعاب التشكيلات المسلحة في الجيش الوطني وفي بقية الأجهزة الأمنية الأخرى وتم كذلك طرح حزمة إصلاحات اقتصادية ارتبطت مباشرة بتقوية العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية للمحافظة على القوة الشرائية لها، ونفس الشىء بالنسبة لمتابعة المسار السياسي.. بحيث تجاوبت مع دعوات بعض البلدان الصديقة والشقيقة للوحدة السياسية على مستوى ليبيا، وذهبت إلى عواصم ومدن أوروبية وعربية لهذا الغرض تمثلت فيما عرف في فترة سابقة بلقاء ((باريس)) في شهر مايو من العام 2018م والذي تم خلاله التوصل بين الاطراف الليبية المشاركة فيه إلى سقف زمني لإجراء الانتخابات البرلمانية وحتى الرئاسية وكان من المفترض تنفيذها أواخر ذلك العام ولكنها ((تعطلت)) بسبب تعنت بعض أطراف الحوار ورفضهم لمخرجات ((باريس)) ولاحقاً لقاء ((باليرمو)) وحتى لقاء أبوظبى الذي التئم في فبراير من العام 2019م وتم فيه وضع أسس المصالحة الوطنية ونبذ خطاب التفرقة والانقسام والكراهية، وكل تلك اللقاءات كانت بالنسبة للطرف المعرقل بمثابة ((استثمار)) للوقت لتهيئة الظروف للانقضاض على العاصمة ، ولقد اشار إلى مثل تلك الأشياء رئيس المجلس الرئاسي في أكثر من مناسبة حين ذكر صراحة بأن الطرف ((المعرقل)) لأيه أتفاقات كان يحضر لعمل عدوانى ويحشد السلاح والعتاد، وهو ما ترجمه فعلاً يوم 2019/4/4 حين شن عدوانه على طرابلس وضواحيها ناسفاً بذلك كافة المساعى التي بذلتها الدول التي استضافت كما أشرنا تلك اللقاءات وناسفاً كذلك جهود الأمم المتحدة ومبعوثها غسان سلامة الذي وضع خريطة طريق للخروج بليبيا من النفق المظلم تمثلت في لقاء لكافة أطراف المعادلة الليبية على طاولة مفاوضات داخل ليبيا وتحديداً بمدينة ((غدامس)) وتحدد حتى موعد للمؤتمر الوطني الجامع منتصف ابريل 2019 لترجمة خريطة الطريق إلى واقع ملموس ولكن الطرف الرافض لكل تلك الترتيبات والاجراءات ((إستبق)) المؤتمر الجامع وشن عدوانه يوم 4 أبريل 2019م وهو العدوان الذي يستمر حتى اليوم بحيث دخل شهره العاشر وضحيته المدنيين من أبناء ليبيا الذين رفضوا لغة السلاح وآمنوا بأن الحرب والعدوان لا يبنى أوطاناً وبأن حل أزمات ليبيا يكمن في الحوار (( السياسي)) بين كافة أبناء البلاد ممن يؤمنون بمدنية الدولة وبسيادة القانون وبصناديق الاقتراع التي تفرز عادة من يقتنع الناس ببرامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينتخبونهم لتولى السلطة لتنفيذ تلك البرامج، فالعدوان وكما هو مرصود من طرف المؤسسات المحلية والدولية حصد أرواح أكثر من عشرة آلاف مواطن ما بين شهيد وجريح فضلاً عن تدمير وخراب أكثر من عشرين ألف بيت، وتهجير ونزوح أكثر من 330 ألف مواطن، وكلها أرقام مرصودة لدى الأمم المتحدة ضمن وثائقها الرسمية حول العدوان على العاصمة وضواحيها وقدمها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير أمام محلس الأمن الدولي لتكون شاهدة على العدوان وعلى محاولات الاستيلاء على السلطة من خلال الدبابة والطائرة والمدفع وراجمات الصواريخ!! وهي أرقام تطرحها الأمم المتحدة ضمن الملف الليبي على كافة المؤتمرات على مستوى القمة أو غيرها سواء في برلين، أو في ((ميونيخ)) أو في أديس أبابا فالعالم اليوم يقف على حقيقة العدوان على عاصمة كل الليبيين ويعرف كافة التفاصيل ويعمل على تنفيذ مخرجات ما تم الاتفاق عليه في قمة ((برلين)) والاتحادات القارية مثلاً في أوروبا وأفريقيا تحاول تطبيق قرار ((الهدنة)) وتحويله إلى وقف دائم لإطلاق النار إنسامجاً مع القرار الذي إتخذه مجلس الأمن الدولي يوم 12فبراير الجاري بالخصوص ويقضى بالتزام أطراف النزاع بوقف اطلاق النار، وباستمرار اجتماعات اللجنة العسكرية 5+5 من أجل الاتفاق على وقف دائم للعدوان.