ترجمة : مأمون الزائدي
في يوم الحفل، كما لو كانوا يطيعون مرسوما وضع كل رجال القرية تقريبا مرهماً عطرياً على شعرهم. الطقس كان ضبابياً، ودرجة الحرارة دفئت فجأة. هذا هو الصيف الهندي، كما يقولون.
غوتييريز يقف بجانب الفونوغراف، وبعد تسليمه هديته أخذت أتحقق من أسماء الأسطوانات المنتظر أن يتم تحميلها: «بصدق»، التي كتبها لوتشو غاتيكا. جوني راي «نزهة» تحت المطر «. بول أنكا في «ديانا». الفيس بريسلي «فندق الحسرة «. « التانغو الأزرق»، التي كتبها هوجو ونترهالتر وأوركسترته.
ربت على كتفي بشكل تأمري، وبينما اخذ يفتح الحزمة رأيت إيلينا غوتيريز، في بلوزتها المطرزة الجديدة ترفض السماح لصاحب متجر لأجهزة الكمبيوتر إشعال السيجارة التي تحملها بين شفتيها. عندما أصر الرجل، نفخت عود ثقابه وبللت طرف السيجارة المحترقة ببعض اللعاب، في حين تطلعت في وجهي بتقّصد ذا معنى.
بعدها جاءت تيريزا غوتييريز، وأخذت تنظر الي بدورها، وابتعدتا كلتاهما وهما تضحكان.
لم يبذل أوغستو أي جهد لإخفاء خيبة أمله في هديتي. «كراسة ملاحظات مع قفل»، كان يتمتم دون حماسة.
«يمكنك كتابة أشياءك الشخصية عليها.»
«أي أشياء؟»
«الأشياء التي تحدث لك.»
«لا شيء يحدث لي، يا أستاذ»
«ولكن قد يبدأ شيء ما ويحدث لك في وقت قريب جدا، وسيكون من العار عدم تسجيله.»
«مثلا؟»
«الرحلة إلى أنغول. أود أن أعرف كل ما فعلته، بالتفصيل «.
قدم لي كف يده فاردا أصابعه حتى نتمكن من تبادل صفعة الخمسة المعروفة ثم ظهرت أيلينا غوتيريز، تحمل كأساً. حشرته في يدي اليمنى وبقت بشيطنة إلى جانبي. فرانكي لين يغني «إيزابيل» من الأسطوانة.
«كوبا ليبر»، قالت لي «مع الروم الجامايكي».
«انها أفضل من ميتجانس.»
«هل ترغب بالرقص؟»
لمحت شقيقتها تريزا، تثبت نظراتها عليّ وهي ترشف الكوكا كولا من قشة شراب.
«في الواقع أعتقد أني كنت سأرقص على الأغاني البطيئة مع تيريزا».
«» إيزابيل «أليست بطيئة. انها نصف فوكس تروت ونصف تانغو. دعنا نرقص «.
تركت الكأس على طاولة بجانب الفونوغراف وضعت يدي على خصرها، على حزامها المصقول للغاية. أخذت تتفاعل مع أصابعي وخطواتي في انقياد لا تشوبه شائبة. ممسكة القشة بين أسنانها العلوية وهي تطبل بأصابعها على الزجاجة الفارغة، كانت تيريزا تشاهدنا نرقص.
أطفئ غوتييريز ضوء السقف، وترك اثنين من المصابيح الخافتة في زاويتي غرفة المعيشة. كنا أكثر من عشرة أشخاص بالداخل، وماعدا غوتيريز، الجميع كان يرقص.
من زاوية عيني، أراه يذهب الى بوفيه ويضيف شمعة اخرى الى الخمسة عشر التي غرسها والده في كعكة عيد الميلاد.
رفعت أيلينا يدي، التي كانت تمسكها في مستوى الكتف، ووضعتها على قلبها. «لقد كانت عيني عليك لبعض الوقت، جاك»، قالت.
«لتضحكي علي.»
«ضحكت لإخفاء نفسي.»
«ماذا يعني ذلك؟»
« هناك شيء مشترك بيني وبينك سر.»
«ليس لدي أي فكرة عما يمكن أن يكونه هذا السر.»
«إذا قلت لك، هل تعد أن تبقي هادئاً؟»
لاحظت أن يدها تجعل يدي تتعرق بغزارة. حاولت أن أبتعد عنها حتى أستطيع أن امسحها بطية صدر السترة، لكنها لم تسمح لي بتركها. على العكس من ذلك، ضغط على بإلحاح كبير.
«يمكنك الثقة بي،» قلت.
«جيد.»
رفع عينيها المحتفلتين، وعلى الرغم من أن كانت تهمس الاسم في لهجة من تفشي سرا، الا لم تستطع منع تمدد ذقنها بمسحة من الفخر: «إميليو».
انتظرت بالضبط ثلاث ثوان قبل أن تغمد النصل حتى نهايته: «إميليو»، كررت. «مثل إميل زولا».
كانت إبرة الفونوغراف تغني «الحب شيء متعدد-وروائعي « لفرقة أربعة أسأت. دفنت أصابعي في التطريز الذي على حافة بلوزتها.
كان الجليد في كأسي قد ذاب، ولم أستطيع أن أحمل نفسي على التقاطه. لم ابلع اللعاب الذي تجمع في حلقي. أخذت أنظر إلى أقدام الأزواج الأخرين. الفتيات يرتدين الكعب العالي. والأولاد باللمعة السخية على أحذيتهم. والد أشقاء غوتيريز «يقف على العتبة، يمط حمالاته إبهامه أمام سترته المفتوحة من الأمام.
ابتعدت عن إيلينا، فتحتُ الباب، وخرجت إلى الفناء الخلفي. نبح كلب المنزل في وجهي، ولكني تجاهله. تبعتني أيلينا الي الخارج.
«علينا التحدث معنا، يا جاك. أنا آسفة إذا كنت آذيتك «.
«كل شيء على ما يرام.»
«هذه هي قرية صغيرة جدا، والسر الذي احتفظنا به لمدة سنتين هو كبير جدا. أن السماح بإفشائه ليس في مصلحة أحد. ولهذا السبب غادرت القرية لمدة عام «.
«من يعلم به أيضا؟»
«الطحان».
«لماذا تركني اخرج بمفردي في انغول؟ ألم يخطر له أني قد اهرب الى والدي؟ «
«انه سكير، كما تعلم. لكنه أيضا رجل حكيم «.
«ما الذي جعلك تقولين ذلك؟»
« لقد أخذك الى الفتيات كي تنسى أختي».
«ماهي علاقة هذه الأشياء ببعضها؟»
ذهبت الفتاة إلى صنبور الماء، وفتحتها، وسمحت للمياه أن تغسل جبينها. ثم ربتت على رقبتها بيديها المبتلتين. كان ظلاما والنور الوحيد يأتي من بيت الكلب الصغير.
«هناك اثنان من براميل الديناميت في هذه القرية، يا جاك. وإذا أسقط شخص ما بطريق الخطأ عود ثقاب مشتعل، يمكن للمكان كله أن ينفجر «.
ثم «؟»
«أنا لا أريد ما حدث لي مع والدك أن يحدث لأختي».
«لماذا لم تبقي إميليو؟»
«هذ احفل عيد ميلاد أوغستو. وليس المكان المناسب لمناقشة مثل هذه الأمور «.
«أنا لست الشخص الذي بدأ».
«بالطبع كنت بدأت ذلك! كنت قد بدأته برحلتك الغبية لانغول! أريد أن أكون نجمة حياتي الخاصة، وليس عبدة لطفل «.
« أنت لا تحبينه، اذن.»
«والدك يحبك على الرغم من انه تركك. أنت مدرس، يا جاك! ينبغي لك أن تعرف أن العديد من الأشياء في هذه الحياة معقدة للغاية «.
«انها أبسط مما تتخيلين. والدي يحبني وتركني. والدي يحب إميليو ولن يتركه. أنا كلب مهجور، إيلينا «.
«كل ما عليك فعله هو النباح»، قالت بابتسامة.
سحب سلسلة رقيقة من مفرق ثدييها ووضعت الصليب الذهبي الصغير بين أسنانها.
«هل ترينه أحيانا؟»
«كلا.»
«أعني والدي.»
«ولا هو لم يحدث أي شيء هنا ابدا، يا جاك. ثم، بكل فجأة، شيء ما كان ينمو بيننا. كان من الجميل وجود سر في القرية. أنت لا تعرفه، ووالدي لم يعرفه أيضا، أمك لم تعرفه. ولكن الواقع دمر كل شيء. كنت بطلة فيلم عظيم، وكان والدك بطلي فيلم لمجرد كلينا. كنا الممثلين والجمهور في نفس الوقت «.
« البطل الذي فيلمك يعرض الآن الأفلام في سينما انغول. انه في حجرة العرض طيلة العروض النهارية، والعروض المزدوجة، والعروض المسائية. ولن يفوز بجائزة أوسكار بهذا الشكل «.
«لا تظن أني بلا مشاعر. أحيانا تنتابني الأفكار المحزنة حول إميليو «.
«ومن يدري، ربما تنتاب والدي أحيانا أفكار حزينة عني» أقول بالعاً أخيرا.
انطفأت الأنوار.
«سيشعلون الشموع ويغنوا» عيد ميلاد سعيد «،» قالت.
«وضع أوغستو ستة عشر شمعة على كعكته. يجب على شخص مساعدته على نفخها «.
أزالت الفتاة الصليب الصغير من فمها ووضعته على شفتي. وهي تقول: «أقسم لي أن تكتم السر»
20
في غرفة المعيشة، فتح أوغستو غوتييريز هدية والده وهو يرتديها الآن فيما يخطر في أنحاء الغرفة، راقصا على أنغام « التانغو الأزرق» مع شريك وهمي وهو يومض مصباحا يدويا لإلقاء الضوء على سترته الجديدة. تحت تأثير قاعة الرقص. الجاكت وهي سترة واقية من الريح، من نفس اللون والطراز التي كان جيمس دين يرتديها في فيلم ثائر بدون سبب.
تجمعنا حول الطاولة، ومنحني الأب شرف تسلم السكين مشيرا أن على الشروع في تقسيم الكعكة بمجرد انطفاء الشموع. وهو يفعل ذلك، انتبه الى الشمعة الإضافية، فجذبها من الكعكة، وألقاها على طبق.
كان رجلا ممتلئ الجسم، داكن البشرة خففت سمنته من عظام وجنته الهندية. بيديه التي لهما شكل لاعب كرة السلة ضخم أعطانا إشارة بدء الأغنية.
شعت عيون الأب غوتييريز وتألقت بسعادة غامرة: كان أرملا جيدا، بناته جميلات، ذات يوم سيجيئ بعض الخاطبين المهمين من العالم الخارجي خاطبين ودهن وراغبين في الزواج منهن. وفوق ذلك، كانت أصغر أولاده صديقا لمعلم المدرسة الذي يضمن له درجات جيدة ومستقبلاً أكاديمياً. ربما يصبح معلما هو أيضا.
بدلا من أحشو فمي بقطعة دسمة من الكعكة قدمها أوغستو لي، وضعت المزيد من الثلج في كأسي كوبا ليبر وقصدت الحمام، احتسي الشراب بقوة وانا أسير.
في القاعة، وأنا على وشك أن افتح باب الحمام، واجهتني تيريزا.
«هل تريد أن تدخل أولا؟» سألتني.
«أنا لست مستعجلا. ادخلي.»
لاحظت أنها تلهث وغير ثابتة على قدميها.
«أريد فقط أن رش بعض الماء على وجهي. الجو حار هنا.»
«هذه كوبا ليبر مثلجة. أترغبين؟»
قبلت ولكنها لم تشرب. بدلا من ذلك أنها رفعت من الكأس، ومررت على خديها الملتهبين.
«يا للانتعاش!» صاحت، وهي تغلق عينيها وتسلم نفسها إلى برودة الكأس.
اقتربت منها لاسترد شرابي، وعندما رأيت خديها المبللين قريبا جدا، شعرت كما لو كنت الصق شفتي بتلك البشرة.
ثم قالت: « اعذرني».
ودخلت الحمام وأغلقت الباب. سمع تسحب لسان الترباس.
بقيت خارجا، كمن ينتظر دوره.
ظهر والدها في القاعة وحياني بمرح.
رفعت إبهامي مشيراً. كل شيء على ما يرام.
لأني كنت أقف على مقربة من الباب، أستطيع أن أسمع بوضوح تيريزا تفتح المزلاج. فخطوت الى الوراء حتى تجد مجالا لتمر.
ولكن الفتاة لم تخرج.
سرعت الجرأة خفقان ذلك الوريد في عنقي. سخيفا بما فيه الكفاية، وأنا لمست عقدة ربطة عنقي وتأكدت من انها في مكانها الصحيح.
فتحت الباب. في البداية، أمكنني تمييز الأشكال فقط. نحن عمليا في الظلام. أغلق الباب ورائي، وهذه المرة أنا من سحب المزلاج كانت تيريزا منحنية على المغسلة تتنفس بصعوبة. كانت أغنية بيري كومو «لحظات سحرية» بيري كومو تعلو في الخارج مشيت نحوها، مسكت أحد أزرار بلوزتها كالمحترف، وتعمدت اخذ دقيقة لأفكه.
تذكرت الصورة التي استخدمتها أيلينا: «هنا في هذه القرية، وهناك برميلين من براميل الديناميت» الفتيل في يدي، في نهاية لساني.
جعدت شفتيها بأصابعي وقررت تقبيلها للمرة الأولى بهذا الشكل عندما ابتعدت، فكت الزر الثاني من قميصها، وأمكنني رؤية حمالتها تتدلى من المغسلة. ثم أخرجت نهديها بهدوء ودون تركيز. كانت تحاول التصرف بشكل طبيعي، ولكن كانت ترتجف.
«لقد كتبت لك رسالة، يا جاك.»
« لم تصلني ابدا.»
«هذا لأنني لم أرسلها لك.»
«لما لا؟»
«الرسالة تترك اثرا وراءها. وما قلته لك كان خطيرا جدا «.
وضعت احدى أسفل بطنها، وبينما كانت تداعب شعري، عضضت بهدوء ذقنها.
«أخبرينى.»
«أريد أن أكون معك، ولكن ليس هنا».
«انه المكان الوحيد الذي يمكننا تأمين أنفسنا فيه.»
«ولكن هذا بيتي، يا جاك. أنا لا أريد أن افعل ذلك معك في هذا السجن «.
« يمكن لكريستيان أن يسمح لنا باستخدام غرفته.»
«إن طاحونه مليء بالفئران والصراصير.»
كانت رطبة بحيث أنزلت من خلال تنورتها. عندما أبعدت يدي، على وبرغم الظلام أمكننا أن نرى كلانا البقعة.
«يجب أن أذهب وأغير ثيابي»، قالت.
رمت الحمالة في حوض الاستحمام، زررت الزر العلوي، وفتحت المزلاج، وخطت بسرعة الى القاعة.
سمح لي الضوء من خارج بإلقاء نظرة فاحصة على نفسي في المرآة. دنوت منها، يجذبني شيء غريب في تعابير وجهي.
«J›ai vieilli!» وعادت فرنسية طفولتي، مضبباً الزجاج بأنفاسي. تذكر شخصية رواية Zazie dans le metroوما تقوله في نهاية الرواية عندما سئلت عما فعلته في باريس.
«J›ai vieilli»، قالت.
« أنا أشيخ « كررت.
وأنا أقول هذه الكلمات، اتخذت بعض القرارات.