بقلم /عبد الباري رشيد
حكومة الوفاق الوطني منذ بداية العدوان على عاصمة كل الليبين، قبل أكثر من عشرة شهور ، كانت تدرك تماماً بأنها عندما تقاوم العدوان فأنها أنما تلتزم بمخرجات الأتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر من العام 2015 وبأنها عندما تصمد في جبهه المواجهة، فأن ذلك ناتج من الثقة بالنفس والأيمان بقدره الليبين على إفشال أهداف العدوان، والتصميم على ترجمة طموحات ورغبات كل الليبين في الحرية والحياة المدنية ودولة المؤسسات وسيادة القانون، ولقد أكد على تلك الحقائق رئيس المجلس الرئاسي خلال كلمته التي وجهها إلى الشعب الليبي يوم16/6/2019م أي بعد42 يوماً من بدء العدوان على العاصمة وضواحيها وطرح خلالها ماعرف بالمبادرة السياسية للخروج من أزمات ليبيا بصورة عامة وشاملة، وفي ديباجه كلمته إعلن بأن حكومة الوفاق هي حكومة التوافق والداعية للسلام والأمن الاجتماعي، وبأنها حين تواجه العدوان إنما تدافع عن الدولة «المدنية» خاصة وأن العدوان كان يستهدف تقويض المسار الديمقراطي والتسلط وفرض الحكم الشمولي حكم الفرد والعائلة وكما ذكرنا فإن الوفاق أكدت ومنذ بداية تستلمها للسلطة في شهر مارس من العام2016وفقاً لمخرجات الأتفاق السياسي بالصخيرات، بأنه لاحل عسكري لأزمات ليبيا في مجملها، وهو الأمر الذي وصلت إليه قناعان معظم دول العالم التي ارتبطت بصورة مباشرة وغير مباشرة بالملف الليبي برمته بما في ذلك عدوان شهر أبريل 2019م.
وهي قناعات التي جاءت متأخرة جداً بحسب المراقبين للمشهد الليبي فالشهور العشرة التي مضت منذ بداية العدوان ـ حصدت معها أرواح مايقارب عشرة آلاف إنسان مابين شهيد ومصاب فضلا عن تهديم أكثر من عشرين ألف بيت، ونزوح جماعي من مناطق الاشتباكات جنوب العاصمة قفزت أرقامه وحتى هذه اللحظات إلى330 ألف مواطن يشكلون55 ألف عائلة وغير ذلك من التأثيرات السلبية الأخرى واليوم والمراقبون يرصدون كل ذلك الحجم من الخسائر البشرية والمادية يعودون بذاكرتهم إلى الأيام الأولى للعدوان، وكيف أن حكومة «الوفاق» الواثقة من إمكانيات ورغبات وطموحات الليبيين ذكرت في حينه بأن العدوان سوف «يفشل» وكان من المفترض على المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة أن يلتقط تلك الأشارات ويتخذ المواقف الصحيحة تجاه العدوان بحيث تأتي القرارات الحاسمة من طرف مجلس الأمن الدولي ـ بأعتباره سلطة مسؤولة عن الأمن والسلم الدوليين في العالم مخوله بنص الميثاق الأممي بإتخاذ كافة التدابير بما فيها العسكرية لحماية المدنيين والحفاظ على الأرواح والممتلكات ولكن الحسم لم يأت من مجلس الأمن الذي ظل يراوح في مكانه، ويكتفي بإحاطات يقدمها مبعوث الأمين العام السيد غسان سلامة كل فترة زمنية لأعضاء المجلس، الذين ظلت خلافاتهم قائمة وعرقلت بالفعل المجلس عن اتخاذ قرارات حاسمةـ توقف حنفيات الدماء وتحمي المدنيين وهكذا استمر الحال لمدة عشر شهور كما أشرنا وحتى مخرجات مؤتمر برلين الذي التئم يوم19يناير الماضي بحضور لخمسة كبار الأعضاء الدائمين لم تجد المظلة الدولية التي تترجم تلك المخرجت وتلزم المعتدي بوقف عدوانه وخروقاته التي توقع ضحايا مدنيين جراء القصف العشوائي للأحياء السكنية القريبة من محاور الأشتباكات، وهي الأنتهاكات التي وصلت110 خرقاً بحسب ماذكره المبعوث الأممي سلامة مؤخراً منذ إعلان «الهدنة» في موسكوـ قبل أسبوع من قمة برلين الملتئمة يوم 19 ينايرالماضي، ومخرجاتها التي عرفت بالمسارات الثلاثةـ الأمنية والعسكرية والاقتصادية، والسياسية، وأول تلك المخرجات أفرزت ماعرف بلجنه 5/5 والتي إلتئمت في مقر الأمم المتحدة بجنيف الأسبوع الماضي وإعلنت البعثه الأممية التى رعت الاجتماع في ختام أعمالها عن عدم توصل طرفي اللجنة العسكرية التي تفاهم حول طرق إعادة الحياة الطبيعية لمناطق الأشتباكات، وهو الأمر الذي دعا ألمانيا بإعتبارها «الحاضنة» لقمة برلين التي توجه النداء ضرورة الحفاظ على إلتزامات برلين ومخرجاتها وبحسب ماذكره مسؤول بالخارجية الألمانية فإنه من الضروري التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، بأنه لن يكون هناك «فائزون» أذا استؤنفت النزاعات العسكرية، وهو الأمر الذي حذر منه أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة السيد «غوتيريشى خلال كلمته في الجلسه الأفتتاحية لقمة الأتحاد الإفريقي العادية بأديس أبابا، حين ذكر بأن«الهدنة» تخترق بشكل كبير، وبأن التدخلات السلبية في الشؤون الداخلية الليبية من طرف بعض الدول لازالت قائمة رغم تعهدات تلك الدول بالالتزام بمخرجات قمة برلين، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة من مجلس الأمن باعتماد موقف قوى «وموحد» إزاء الأزمة الليبية والعدوان القائم على العاصمة وضواحيها.. وبحسب مايراه المراقبون فإن التصريحات الصادرة عن «غوتيرش» خلال الأيام القليلة الماضية سواء أمام قاده الأتحاد الأفريقي أو على لسان الناطق الرسمي باسمه في نيويورك تعتبر تصريحاته مماثلة لما سبق وأن إعلانه وفي أكثر من مناسبة منذ إندلاع العدوان على طرابلس، لم تترجم على أرض الواقع، فالأمين العام للأمم المتحدة وبحسب مايراه المراقبون لديه ضلاحيات تتجاوز مرحلة «الدعوات» الى التنفيذ، فهو مخول باتخاذ مواقف حاسمه» تجاه أزمة تهدد السلم والأمن الدوليين ـ فالصراع في ليبياـ دخلت فيه أطراف عديدة ، وتأثيراته لم تعد قاصره على الداخل الليبي بل تتعداه إلى دول الجوار العربي والأقليمي، فأوروبا يهمها الاستقرار في ليبيا ووقف نزيف الدماء وضبط مايعرف بالهجرة غير الشرعية.. ونفس الشيء إفريقيا التي إلتئمت قمتها العادية بأديس أبابا خلال الأيام القليلة الماضية تحت شعار «إسكات صوت البنادق» وضعت الأزمة الليبية على سلم أولياتها وأرادت بذلك الشعار أن تقول بأن الحرب على العاصمة الليبية مثلاً لن تأتي بالسلام لهذا البلد العضو المؤسس بالاتحاد الإفريقي ولابد من أن تصمت «المدافع» والطائرات وراجمات الصواريخ «وتقفل حنفيات الدماء» وتحرق أدوات الفتنة ـ ليحل محلها مشروعات التنمية وإعادة التأهيل والتطوير وأستثمار الأموال التي كانت تنفق على التسلح في مشروعات تخدم الليبين ودول الجوار وأفريقيا بصورة عامة.