زايد..ناقص
بقلم /جمعة بوكليب
في الأسبوع الماضي، قام شاب مسلم، متطرف دينياً، بعد أسبوع من اطلاق سراحه من السجن، بالإعتداء بسكين على أناس مسالمين أبرياء، في احد مناطق لندن، مما أدى إلى اصابة ثلاثة اشخاص، أحدهم بجروح خطيرة. كما نجم عن ذلك، أيضاً، مقتل المعتدي برصاص رجال الشرطة. المعتدي كان قد أُطلقَ سراحه من السجن بعد قضاء نصف مدة العقوبة المقررة، وهي ثلاث سنوات ونصف، نتيجة ادانته بجريمة توزيع مواد ومنشورات تحضُّ على الإرهاب، ومؤيدة لداعش.
قبل هذه الحادثة، تابعنا في وسائل الاعلام، خبر قيام شاب مسلم متطرف بالإعتداء على مارّة في أحد شوارع لندن، وقُتلَ شخصان وجُرحَ آخرون. حدث ذلك بعد خروجه من السجن بفترة قصيرة. تشابه الحادثتين، في الظروف والأسباب والنتائج، ليس ممكناً تجاهله.
التطرف الديني ظاهرة عرفتها البشرية منذ أزمان قديمة، وهي ليست حكراً على دين معين، أو حقبة زمنية محددة، أو أمة بعينها. وغالباً، ما تظهر على شكل موجات عالية، بعنف وضوضاء، ثم، فجأة، تخمد، ولا يعود يُسمع لها صوت. هذا الخمود لايعني موتها، ونهايتها، ذلك لأن الاختفاء مؤقت، وبغرض اعداد التجميع والتجنيد والتحشيد، ومتى توفرت الظروف المناسبة، تعود الموجة للانبثاق بأشد قوة وأكثر عنفاً.
النظرة المتأنية لتاريخ حركات التطرف الدينية، تحديداً، في كل البلدان والقارات يؤكد على وجود العديد من أوجه التشابة بينها، وخاصة على مستوى اختيار وبروز القيادات وعمليات تجنيد الكوادر، وعمليات التعبئة والتحشيد العقائدي، الأمر الذي يجعل المرء يحسّ وكأن تلك الحركات،– مسلمة – مسيحية – هندوسية…الخ، تقرأ وتتعلم من كتاب واحد مكتوب بعدة لغات.
منبع خطورة التطرف الديني، لا تتوقف على مدى ما يحددثه من ارباك في الواقع الحياتي اليومي، وفي التأثير على النسيج الاجتماعي، والتوافق المعيشي للشعب وللامة، بل أن خطورته تزداد لدى استغلاله وتحويله إلى تيار سياسي، وحركة سياسية بشعارات براقة وأعلام خفاقة، يقودها سياسيون دهاقنه لاهم لهم سوى ركوب الموجة وقيادتها وتوجيهها، بغرض الوصول إلى كرسي السلطان، والاستحواذ على الحكم. خير مثال على ذلك ما حدث في السنوات الأخيرة من ظهور دولة الدواعش في الشرق الأوسط بقوة السلاح، وما حدث ويحدث في الهند بوصول حز ب بهاراتيا جاناتا الهندوسي إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات، وبأغلبية برلمانية، وسعيه إلى تحويل الهند من دولة متعددة الاعراق والديانات والثقافات، إلى دولة هندوسية.
ما حدث في لندن، خلال فترة زمنية قصيرة، من أعتداءات على مواطنين أبرياء من قبل متطرفين دينيين، أوقع الحكومة في معضلة قانونية تتمثل في العلاقة بأحكام القضاء، وأحترام ما يمنحه ويضمنه الدستور والقانون والعرف من حريات للافراد، وعدم انتهاكها. وعلى سبيل المثال، ليس بمستطاع الحكومة، الاعتداء على حرية متطرفين بوضعهم في سجون لمدد غير محدودة، من دون حكم قضائي، لأن القانون يمنع ذلك، وصلاحيات السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة لا تستطيع انتهاك القانون، والتعدي على مبدأ الحريات الذي يحظى بما يشبه القداسة. والحلول الأخرى المطروحة، حالياً، تتمثل في الغاء نظام الافراج عن المتطرفين المسجونين آليا بمجرد انقضاء نصف مدة عقوبة السجن المقررة ضدهم. لذلك، فإن الحكومة البريطانية لكي تتجاوز هذه العقبة تدرس إمكانية أن يكون الافراج عن المتطرفين عبر توصيات تصدر عن هيئات عفو تتكون من أعضاء متخصصين يمثلون الاجهزة الأمنية الاجتماعية والقانونية. ومع ذلك، فإن انتفاء هذا الخطر القائم ليس ممكنا بالكامل.
ويظل السؤال قائماً يبحث عن إجابة: كيف تحل الحكومات معضلة كهذه من دون انتهاك حرّيات الأفراد وحقوقهم؟