بقلم /سليم الزريعي
في محاولة لكي الوعي والذاكرة الفلسطينية والعربية يجري التعامل مع صفقة السمسار الرئيس ترامب كنتيجة معزولة عن مقدماتها الفلسطينية والعربية التي أسست لما يسمى صفقة القرن.
وأي مقاربة علمية لأبعاد صفقة القرن، يدرك من يقوم بذلك أن صفقة القرن ليست موقفا أمريكيا طارئا معلقا في الهواء، ولكنه نتيجة لمسار طويل أمريكي ديني – سياسي ومقدمات شارك في صنعها العرب والفلسطينيون حتى وصلنا إلى صفقة القرن.
مقدمات الصفقة
ولقراءة لا تقفز إلى النتائج بفصلها عن مقدماتها لفهم هذه العدوانية الأمريكية على حقيقتها، فإننا نعتقد أن من أبجديات هذه القراءة في توصيف وفهم هذا الموقف الأمريكي الذي يقوده الرئيس ترامب الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الإحتلالي الصهيوني الاستيطاني على حقيقته،
هي في كيفية توصيف موقع أمريكيا من الكيان الصهيوني ككيان وظيفي وعلاقة هذا الكيان بالسياسة الأمريكية وغلاة الصهاينة المسيحيين الذين ساهموا في زرع هذا الكيان في فلسطين تنفيذا لمزاعم دينية، وهي المزاعم التي كان لها سطوة واضحة على الكثير من قرارات المؤسسات الأمريكية والرؤساء الأمريكيين طو ال عشرات العقود.
ولوعي ذلك فإنه من المهم استحضار قرار للكونجرس الأمريكي صدر عام 1944 كأساس فكري وسياسي للعدوانية الأمريكية المستمرة على القضية الفلسطينية، ذلك القرار الذي جاء فيه» تتعهد الولايات المتحدة ببذل قصارى جهدها من أجل فتح أبواب فلسطين أمام اليهود للدخول إليها بحرية ولإتاحة الفرصة أمامهم لاستعمارها حتى يتمكن الشعب اليهودي من إعادة تكوين فلسطين يهودية ديمقراطية حرة»(1) ، وهو قرار يكشف بجلاء من هو العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني منذ ما قبل نكبة 1948، ولعل حديث عراب اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية الرئيس الأسبق جيمي كارتر في عام 1979 ، عندما أكد أن العلاقات الفريدة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي هي تجسيد للإيمان، لأنها متأصلة في ضمير الشعب الأمريكي نفسه وفي أخلاقه وفي دينه ومعتقداته. ووجه حديثه للصهاينة قائلا» : «إننا نتقاسم معكم تراث التوراة» (2) ، وفي أبريل عام 1990 قرر الكونجرس الأمريكي اعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية لما يسمى «لإسرائيل» (3) ، بما يضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بما فيها قرارات مجلس الأمن التي وافقت عليها أمريكا.
ولذلك لا يمكن اعتبار صفقة ترامب أمرا مفاجئا لمن يتتبع ويقرأ مسار السياسة الأمريكية ودورها في المنطقة، سواء كان هذا الدور ناعما أو ساخنا، وعلاقتها العضوية بالتجمع الاستيطاني الإحتلالي في فلسطين، ومن ثم فإن إعلان الصفقة بهذه المواصفات هو تتويج لمسار ساهم في صنع مقدماته الفلسطينيون والعرب، ولهذا لا يمكن اعتبار أن القيادة الفلسطينية ، قد خدعت فمن خطل القراءة والحال هذه ، عزل القضية الفلسطينية عن القضايا العربية التي لها علاقة بالصراع العربي الصهيوني ، ولذلك فإننا نعتبر أن صفقة القرن هي الابنة الشرعية لمسار سياسي عربي وفلسطيني، بدأ بمعاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني، ووادي عربة بين كيان الاحتلال والأردن، وكانت ثالثة الأثافي في تلك الصيرورة هي تلك التي جاء بها اتفاق أوسلو بكل ما ترتب عليه بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، ذلك الاتفاق الذي فتح المجال للمس بقضايا مصيرية تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودةٍ، لتأتي ما سميت بمبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية التي التأمت في بيروت العام 2002.، لتكتمل بذلك أضلاع مربع التنازل التدريجي عن الثوابت الفلسطينية عربيا وفلسطينيا.
صفقة من طرف واحد
لكن السؤال الأساس كيف سينفذ ترامب وشريكة نتنياهو هذه الصفقة باعتبارهما الطرف الذي قدم وعرض الصفقة؟ ثم كيف يمكن اعتبارها صفقة ابتداء طالما أنه لا يوجد فيها سوى طرف واحد، في حين أن أي صفقة يلزمها طرفان كي يجري إبرامها ؟ ومع ذلك فإن أي قراءة لمفردات الصفقة الترامبية سيجد القارئ ، أنها لا تعدو أن تكون صك إذعان مطلوب من الفلسطينيين أن يبصموا عليه فيما يصادر كل ما لديم الآن لصالح المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، من ضم المستوطنات في الضفة الغربية ومنطقة غور الأردن والقدس وشطب قضية اللاجئين، بل والتخلص من قرى المثلث في فلسطين المحتلة عام 48 19 ودمجها في مشروع صفقة ترامب المقترحة تخلصا من كثافتها السكانية.
لكن الثابت هو أنه دون وجود الطرف الفلسطيني فلن تكون هناك صفقة، مهما فعلت أمريكا وكيان الاحتلال، خاصة وأن هناك إجماعا سياسيا فلسطينيا على رفض الصفقة، بل وإجماع على إسقاطها رغم كل التباينات السياسية والفكرية في المشهد الفلسطيني، وبالطبع فإن هذه الصفقة بشطبها للقضية الفلسطينية تعطي المبرر القانوني والسياسي والأخلاقي للمجموع الفلسطيني لمواجهة هذه الصفقة بكل الوسائل بدءا من المقاومة الشعبية ووصولا إلى العنف بكل أشكاله، كونه لم يعد لدى الفلسطينيين ما يخسرونه.
وربما تفتح هذه الصفقة والرفض الفلسطيني الباب أمام من يدعو للدولة الواحدة على كامل التراب الفلسطيني، ومبررهم في ذلك أنه يوجد في الوقت الراهن، في كل فلسطين المحتلة بمساحتها التاريخية 6.7 مليون يهودي وحوالي 7 ملايين فلسطيني . وعلى هذا الأساس، ليس من الصعب تخيل الوضع الذي ستؤول إليه أول انتخابات حرة في مثل هذا المجتمع.
ومع أنه من المبكر تصور اللجوء إلى هذه الخطوة الآن، ولكن الظروف المتحركة ومدى الاستجابة الأمريكية الصهيونية للحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية ممثلة في الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي رقم 194 ، هي التي ستحدد الخيار المقبل. وستكون هي الفيصل في اللجوء إلى ذلك الخيار باعتباره الملاذ الأخير وكنوع من الاختراق من الداخل للتجمع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، وهو الذي يعاني الآن من فوبيا القنبلة الديمغرافية التي يمثلها وجود ما يقارب 20 % من المواطنين الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948.
وقد لمح صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين لذلك عندما قال.. إنه في حالة قمع الاحتجاجات الفلسطينية ضد الصفقة بالقوة وفرض حصار اقتصادي كامل على فلسطين، وهو ما تهدد به واشنطن، فإن لدى الفلسطينيين خيار المطالبة بحقوق مدنية كاملة في جميع الأراضي التي تحتلها «إسرائيل»، علما بأن هذه المتطلبات تتفق مع القانون الدولي، وعدم الامتثال إليها يعني إدخال إسرائيل في نظام «الفصل العنصري والتمييز العنصري».
ولعل السؤال هنا من الذي خدع السمسار الرئيس ترامب وأوهمه أن الفلسطينيين رغم وجودهم تحت الاحتلال وتماهي الكثير من الأنظمة العربية الرسمية في الموقف الأمريكي، والفارق الشاسع في ميزان القوى سيقبلون بصفقته؟ أليس ذلك هو غرور القوة والجهل بكيمياء الآخر الفلسطيني؟ لكن هل يمكن أن تكون صفقة السمسار ترامب هي بالنسبة للفلسطينيين الضارة النافعة؟ ربما نعم… كونها الصفقة المستحيلة.
الهوامش
محمد السماك، الصهيونية المسيحية، دار النفائس لبنان، الطبعة الثانية 1993 ص63
المرجع السابق.ٍص 73
المرجع السابق ص 72