بقلم /عبدالباري رشيد
حين مددت الأمم المتحدة للمبعوث سلامة إلى ليبيا فترة عمله لمدة سنة أخرى قبل عدة أشهر أدرك المراقبون للمشهد الليبي في حينه بأن عذابات الليبيين ستستمر ويمكن أن تتجاوز التمديد المشار إليه .. وأيضاً حين ذكر سلامة ذاته خلال تصريحات صدت عنه مؤخراً في لقاء مرئي بأن تحضيرات مؤتمر برلين استغرقت ستة شهور وتحديداً منذ أغسطس 2019م وحتى أواخر يناير 2020 أدرك المراقبون للمشهد الليبي أيضاً بأن الأمور لا تسير في حالة استعجاليه ليوقف نزيف دماء الليبيين وتضميد جراحاتهم، ووقف الموت المجاني الذي طال المدنيين في أكثر من مجزرة مرصودة من طرف الأمم المتحدة ذاتها.
وأوردها الأمين العام السيد (غوتيرس) في تقريره الأخير بالتفصيل ، فالتقرير لم يغادر أية حادثة .. بل جاء بها بتواريخها وأماكن وقوعها ونتائجها المأساوية والتي طالت المدنيين بصفة خاصة والمرافق الحيوية للدولة .. كالمطار الوحيد للعاصمة وغيرها .
ـ ويتساءل نفس المراقبين .. إذا كان التحضير لمؤتمر (برلين) استغرق ستة شهور ، فكم سيستغرق تنفيذ الـ 55 بنذاً الواردة في البيان الختامي لقمة برلين؟! وبحسب ما ذكره سلامة حول الشهور الستة فإنه هو من طرح على السيدة ميركل فكرة احتضان مؤتمر في برلين وذلك خلال قمة البلدان الصناعية السبعة المنعقدة في فرنسا أغسطس 2019م .. وبأن التحضيرات والمشاورات والاجتماعات التي شهزتها ينويورك مثلا خلال الالتئام العادي للدورة 74 للجمعية العامة في سبتمبر من العام الماضي وضمت في حينه عشرة دول .. وما تبعها من لقاءات ومشاورات في برلين وغيرها .. كلها كانت بمثابة تحضيرات استغرقت كل ذلك الوقت الذي بلغ ستة شهور كما ذكرنا وهي الفترة التي جعلت المراقبين يتساءلون أيضاً هل نحن في عصر المراسلات بواسطة ما كان يعرف في العصور القديمة بالحمام (الزاجل) أم أن تلك المراسلات كانت تتم عن طريق (الجمالي) علماً بأن العالم يعيش اليوم عصر التكنولوجيا والاتصالات المباشرة التي قربت المسافات وجعلة الكون بمثابة قرية سكنية بما وفرته تقنية الاتصالات الحديثة من جهد ووقت .. ويعاود نفس المراقبين طرح تساؤلاتهم .. إذا كان التحضير لقمة برلين قد استغرق 180 يوماً فكم سيستغرق تنفيذ البنود الـ 55 التي تضمنها البيان الختامي !! وتبقى المسألة محل تخمين من طرف الجميع .. لأن المعطيات عادة تؤدي إلى نتائج معروفة .. حيث لاحظوا من خلال رصدهم للعديد من التصريحات التي صدرت في اعقاب قمة برلين من مختلف الأطراف المشاركة فيها .. بأن التفاؤل الحذر هو سيد الموقف تجاه مخرجات برلين .. فمثلاً رئيس المجلس الرئاسي خلال لقاءات تلفزيونية مع أكثر من قناة إعلامية .. أبدى تفاؤلاً حذراً إزاء نتائج برلين .. وذكر في لقاء مع قناة الجزيرة بعد القمة بأن تفاؤله الحذر ناتج عن تجارب سابقة لم تجد فيها حكومة الوفاق شريكا حقيقياً يمكن الوثوق به للخروج من الأزمة الليبية .. وأعلن خلال المقابلة بأنه سيحترم دعوة مؤتمر برلين لوقف إطلاق النار .. وإجراء محادثات سياسية ولكنه لن يجلس مع حفتر مرة أخرى في إشارة إلى محاولات سابقة قامت بها عدة دول أوروبية وعربية سواء في باريس أو باليرمو .. أو في أبوظبي لجمع الأطراف الليبية وهي اللقاءات التي بلغت (ستة) بحسب ما ذكره رئيس المجلس الرئاسي في فترة سابقة وتحديداً بعد عدوان أبريل من العام الماضي حين أشار مثلاً إلى أنه جرى اتفاق على عقد مؤتمر وطني جامع .. ووقف الحملات الإعلامية وخلق مناخات وأرضية للمصالحة والتسامح وإجراء انتخابات برلمانية كان من المفترض أن تتم في ديسمبر 2018 بحسب ما خرج عن اتفاق باريس في مايو من نفس العام ولكن كل تلك الإجراءات تم نسفها بالعدوان في أبريل الماضي.
ـ والذي لم يكن مبرراً أبداً ومناقضاً لكل الترتيبات والتفاهمات المشار إليها والتي كان آخرها في فبراير من العام 2019 م في أبوظبي .. والتي جاء بعدها وبأقل من شهرين عدوان أبريل عل
ى العاصمة وضواحيها .. الذي حصد حتى الآن ما يقارب من عشرة الآف ضحية ما بين شهيد ومصاب .. فضلاً عن تشريد 140 ألف مواطن أصبحو نازحين .. داخل بلادهم.
ـ وعودة إلى مخرجات قمة برلين وما تلاها من تصريحات وردود أفعال صدرت عن أكثر من جهة رسمية وقوى كبرى مشاركة .. ومنها مثلاً ما ذكره الرئيس الروسي (بوتين) خلال تصريحات له بفلسطين المحتلة بعد عدة أيام من اختتام قمة برلين .. حين أكد بأنه مازال يتعين (العودة) إلى مجلس الأمن الدولي لإتخاذ قرار مناسب بشأن الوضع في ليبيا .. وهو التصريح الذي جعل المراقبين في حيرة ودفعهم إى التساؤل .. هل ستعود الأزمة الليبية إلى المربع الأول .. وإلى نقطة الصفر؟! على اعتبار أن مجلس الأمن ظل عاجزاً عن أتخاذ أي قرار (حاسم) منذ بداية عدون أبريل على العاصمة الليبية وضواحيها .. ووصل رلى حالة من العجز والعقم وصفه بها المبعوث الأممي سلامة في أكثر من مناسبة .. حيث ظلت دماء الليبيين تنزف وتسقط الضحايا كل يوم وعلى امتداد 270 يوماً وحتى هذه اللحظات التي تشهد (خروقات) من طرف القوات المعتدية توقع ضحايا مدنيين جدد!!