بينما يستعد العالم لاستقبال عام جديد في ليلة 31 ديسمبر، يبرز اسم “أم كلثوم” ليس فقط كأيقونة غنائية، بل كحالة من الجدل التاريخي والتوثيقي الذي لم يُحسم بعد.
هذا التاريخ، الذي يحتفل فيه بذكرى ميلادها رسمياً، يواجه اليوم تحدياً من داخل “بيت البلتاجي” نفسه؛ حيث يفجر حفيدها مفاجأة مفادها أن “الست” ولدت في 4 مايو 1904، مما يعني أنها رحلت عن عالمنا وهي في الحادية والسبعين، لا السادسة والسبعين كما استقر في وجدان المؤرخين.
إن الصراع حول تاريخ الميلاد والاسم الحقيقي بين “فاطمة” المثبت رسمياً و”أم كلثوم” الاسم الذي عرفت به يعكس رغبة مبكرة في صناعة “هوية فنية” عابرة للأجيال، لم تكن انتقالة أم كلثوم من قرية “طماي الزهايرة” إلى صخب القاهرة عام 1922 مجرد هجرة مكانية، بل كانت عملية “إعادة هيكلة” فنية شاملة، فمن خلال تحالفات استراتيجية مع الشاعر أحمد رامي والملحن محمد القصبجي، استطاعت تحويل “التخت الموسيقي” إلى مؤسسة ثقافية تقود الذوق العام العربي لعقود.
خلف الكواليس، لم تكن أم كلثوم تلك الشخصية الفولاذية التي توحي بها وقفتها الملكية؛ فالاعترافات الإذاعية النادرة تكشف عن “قلق وجودي” كان يدفعها للإمساك بمنديلها الشهير لتجفيف عرق التوتر أمام الجمهور، حتى النظارة السوداء، التي تحولت إلى علامة تجارية ، كانت في الأصل “درعاً جمالياً” لمواجهة آثار خلل الغدة الدرقية، هذا المزيج بين الضعف الإنساني والكمال الفني هو ما منح حفلات “أول خميس من كل شهر” خصوصية اقتصادية واجتماعية، حيث كانت الشوارع العربية تفرغ من مارّتها لتنصت لصوتٍ كان يُبث مباشرة، متجاوزاً إمكانيات أجهزة التسجيل المتواضعة آنذاك.
كانت أم كلثوم أول فنانة تدرك قوة “الراديو” كوسيط إعلامي عند تأسيس الإذاعة المصرية عام 1934، مما جعلها “السميعة الأولى” والمتحكمة في جودة نغماتها، واليوم، وبعد مرور نصف قرن على رحيلها، يظل صوتها يمثل “الأصل الاستراتيجي” الأقوى في القوة الناعمة المصرية، محولاً ذكرى ميلادها -سواء كانت في مايو أو ديسمبر- إلى عيد للطرب الأصيل الذي لا يعترف بحدود الزمن أو شهادات الميلاد.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية