لم تكن ليبيا يوماً بلداً يعادي النساء، بل على العكس تماماً، كان احترام المرأة جزءاً من السلوك اليومي، ممارسة لا تحتاج إلى ادعاء، خير مثال أن رجل الأمن كان يتراجع عن تفتيش سيارة فيها عائلة، ليس خوفاً من القانون، بل احتراما لوجود امرأة فيها.. فقد كانت هذه بديهية اجتماعية لا تحتاج إلى تذكير.
اليوم، يجد الليبيون أنفسهم أمام سؤال موجع: كيف وصلنا إلى لحظة يصبح فيها العنف ضد المرأة، بمختلف أشكاله، ظاهرة تتكرر أكثر من أي وقت مضى؟
لقد أصبح المشهد محملًاً بصور صادمة: قتل بدم بارد، وتحريض يقود إلى الفوضى، وابتزاز رقمي يلاحق النساء داخل غرفهن، وتهديد بالصور والمحادثات، وتشهير يقتل بلا رصاص. مشهد لا يشبه صورة المجتمع الليبي كما عرف نفسه، ولا كما قدم نفسه لغيره.
المشكلة ليست في التكنولوجيا، المشكلة في اليد التي تمسك بها، الهاتف لم يخلق العنف، لكنه كشف هشاشة منظومة قيم انهكتها الفوضى، والاقتصاد الضاغط، وغياب الوعي، حتى صار البعض يرى الابتزاز ذكاء وشطارة، ويمارس العنف باعتباره رجولة، مع أن الرجولة في أصلها مسؤولية وحماية لا هيمنة ولا اعتداء.
السؤال الذي يجب أن نطرحه: كيف يمكن للمجتمع أن يحترم امرأة في الشارع، ويهينها على الشاشة؟ وكيف يتشبث البعض بمظاهر النخوة القديمة، بينما يمارس عنفاً جديداً لا أخلاق فيه ولا دين؟
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تجاوزات فردية، بل خلل في التربية، وفي الثقافة، وفي المؤسسات التي تركت فجوات واسعة تسلل منها العنف.
تركنا مواقع التواصل تربي، وتركنا الفوضى تنظم، وتركنا الغضب يصنع مصائر نساء كان يمكن حمايتهن لو استقامت المنظومة من أولها لآخرها.
باختصار…. مواجهة العنف ضد المرأة ليست مهمة جهة واحدة، بل مهمة مجتمع كامل، هذه المهمة تبدأ من الأسرة التي يجب أن تعيد بناء الوعي بالقيم، وتمر عبر المدرسة التي تعلم السلوك لا المناهج الجامدة فقط، والمؤسسات المعنية بشؤون المرأة والطفل التي عليها الانتقال من رد الفعل إلى المبادرة لعدم وقوع الفعل.
ويأتي دور وسائل الإعلام وصناع المحتوى الرقمي في إنتاج خطاب مسؤول لا يروج للعنف ولا يلمعه، بل ينبذه ويحاربه، ودور المساجد في ترسيخ قيم الرحمة والاحترام، ودور مؤسسات المجتمع المدني في المراقبة والتوعية، ثم يأتي القانون ليكون صارما ونافذاً على الجميع، لا يعرف التساهل مع أي شكل من أشكال الاعتداء.
لأننا لا نريد لهذه الظاهرة أن تستشري في المجتمع حتى تصبح مرضا يصعب علاجه، فالعنف إذا ترك يتمدد… سيبتلع شيئا من ليبيا، ومنا جميعاً..
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية