منصة الصباح

عندما يُقفل باب العدالة…

إيناس حميدة

هناك في الممر الطويل المؤدي إلى قاعات المحاكم، يقف شاب موقوف منذ أشهر، ينتظر قراراً في التمديد أو الإفراج.

وعلى الكرسي المقابل، أمّ تحمل أطفالها وتعدّ الساعات في انتظار حكم نفقة قد يغيّر يومهم… وربما حياتهم.

وعجوز يتشبث بملفه كمن يتشبث بأمل أخير.
ومظلوم يقف أمام الباب نفسه كل يوم، يبحث عن إنصاف لا يعرف لماذا يتأخر.
وضحية تنظر إلى المنصة، تنتظر كلمة حقّ… كلمة لا تحتاج سوى أن تُقال.
هذا المشهد ليس وصفاً لدراما تلفزيونية. هذا ما تعجّ به محاكم ليبيا كل يوم.
عالم كامل من المشتكين والمشتكى ضدهم—نافذون وضعفاء، متهمون وبريئون، فقراء وأصحاب سلطة —تجمعهم العدالة.
وفي المقابل، هناك أطقم تعمل بصمت: قضاة، أعضاء نيابة، محامون، موظفون إداريون…
شبكة معقدة من الإجراءات والتواريخ والسوابق والملفات.
مجهود ضخم يتطلب تركيزاً وأمانة وصبراً… ووقتاً.
لكن—وللأسف—ما يحدث اليوم يتجاوز القدرة على الاحتمال.
في الوقت الذي يحضر فيه القاضي… يغيب المتهم.
وفي اللحظة التي ينتظر فيها مظلوم براءة… يتعطّل الحكم.
وفي الوقت الذي تتكدس فيه الملفات… يغيب الملف.
ليس لأن العدالة غير موجودة، بل لأنها مُعطّلة عمداً.
اعتصام أعضاء الهيئات غير القضائية شلّ عملية يفترض أن تكون محصّنة ضد التعطيل، لأن العدالة ليست قطاعاً خدماتياً يمكن توقيفه ساعة أو يومين…
العدالة، ببساطة، حياةٌ مستمرة فيها مصائر وأعمار ومستقبل عائلات بأكملها.
نعم… للحقوق مطالب، وللظروف المهنية استحقاق.
لكن السؤال الأهم اليوم:
هل الوقت مناسب؟
وهل يحتمل طالب العدالة مزيداً من الإيقاف والتوقف والفراغ؟
وهل تتحمل الدولة أن يُغلق باب العدالة ولو ليوم واحد؟
تعطيل المحاكم ليس وسيلة ضغط.
إنه قطعٌ لشريان أساسي في الدولة.
وهو فعل يطال أول ما يطال… الضعفاء والمظلومين.
من حقّ الجميع المطالبة بتحسين أوضاعهم، لكن ليس على حساب من ينتظر حكماً ينقذ حياته أو يحميه أو ينصفه.
ليس على حساب أمّ لا تملك ثمن يومها، وشيخ يريد تسوية بسيطة، وضحية تنتظر كلمة قد تعيد لها بعضاً من إنسانيتها.
ولهذا، يصبح من الضروري إعادة النظر في هذا الاعتصام بسرعة، بعقلانية، وبمسؤولية.
فالوقت لا يسمح بالتقاعس…
والظروف لا تقبل التعطيل…
والعدالة، حين تُغلق أبوابها، لا يتضرر أحد بقدر ما يتضرر المواطن البسيط الذي لا يملك إلا أن ينتظر.
والانتظار هنا…
أقسى من الظلم.

شاهد أيضاً

اكتشافات ليبيا النفطية هذا العام تتجاوز 168 مليون برميل

اكتشافات ليبيا النفطية هذا العام تتجاوز 168 مليون برميل

كشفت بيانات المؤسسة الوطنية للنفط عن تحقيق ليبيا اكتشافات نفطية جديدة وواعدة خلال عام 2025، …