منصة الصباح

 البعوض الإلكتروني

بدون سقف

بقلم / عبدالرزاق الداهش

امتنعت شبكة (السي إن إن) عن بث أنباء حول صفقة تبادلية لسجناء، كان يجري التحضير لها بين واشنطن وطهران، وتخلت الشبكة على سبق صحفي كانت تبحث عنه في السماء، فوجدت متوفرا لها على طاولة ديسك التحرير.

المفاوضات الأمريكية الإيرانية، كانت تجري وراء ستار من السرية، للإفراج عن خمسة أمريكيين بسجون إيران، يواجهون تهما من نوع التجسس، والتبشير بالمسيحية، مقابل سبعة إيرانيين أمريكيين بسجون أمريكا، يواجهون تهما تتعلق بانتهاك قوانين حظر مفروضة على طهران.

(السي إن إن) التي كشفت في وقت أخر عن امتناعها نشر الخبر، كشفت أيضا عن قيام مسؤول أمريكي بالتواصل مع القناة، لإقناعها بالتكتم عن الخبر.

والواقعة تفتح أمامنا أكثر من سؤال مشروع:

فلماذا فوتت (السي إن إن) فرصة هذا السبق الصحفي ،وتصرفت بحس تحريري يناقض الغريزة الصحفية، ومارست رقابة ذاتية عالية ؟

ألا يعد قرار الشبكة الإخبارية التي تحقق نسبة مشاهدة مرتفعة، حرمانا للناس من حقهم في الوصول إلى الحقيقة، عبر وسيلة إعلامية لا تجهل أن الميديا هي فن إدارة المعلومات؟

هل (السي أن أن) هي في قناة موجهة مثل قنوات العالم الثالث، وبدل أن تكون رقيبا على الحكومة، صارت الحكومة رقيبا عليها؟

ألم يكن بمقدور (السي إن إن) نشر كل ما يتعلق بالمفاوضات، دون أن يشكل ذلك انتهاكا للقوانين الأمريكية، التي تؤمن حرية النشر.

ثم أليس النفاذ إلى المعلومة، وحرية انسيابها، هو حق دستوري، يؤمنه الدستور الأمريكي؟

ومع ذلك فأن بث أنباء حول مفاوضات أمريكية إيرانية بشأن صفقة أفراج متبادلة عن سجناء، لا يمكن إدراجها ضمن الأعمال التي تشكل مساسا بالأمن القومي الأمريكي، لكونها ليست تفاصيل لتحركات الجيوش أثناء الحرب، كما أنها لن تثير أعمال عنف، ولا تشكل محتوى لخطاب الكراهية.

الشبكة الأمريكية رأت أن نجاح المفاوضات، أكثر أهمية من الفوز بسبق صحفي، كان سيؤدي إلى تقويض هذه المفاوضات، مما سيترتب عنه ألحق أضرار بسجناء أمريكيين في سجون إيران، وأمريكا.

فمهما يكون السبق مهما، وحتى مقدسا، لابد أن تكون الأخلاق المهنية أكثر أهمية وأكثر قداسة.

لقد استخدمت إدارة (السي إن إن) امتحان الأذى كمسطرة في مقاربة مع قاعدة فقهية إسلامية، ترى بأن دفع الضرر يسبق جلب المنفعة.

لم تر الشبكة الأمريكية أنها خسرت سبقا لم يحظ به غيرها من كبريات الشبكات الإخبارية، لأنها كانت على يقين أنها كسبت ضميرها المهني.

ففي الصحافة ينبغي أن يكون الصدق قبل السبق، وقبل كل شيء تكون الأخلاق. أما الفرق بين (ما ينبغي) وبين صحافتنا فهناك فجوة فلكية.

وإذا افترضنا عدم وجود صحافة، بما في ذلك صحافة المواطن، نقصد عدم وجود قنوات فضائية، ومنصات تواصل، كيف تكون الأوضاع في ليبيا؟

الحقيقة ستكون ليبيا أفضل بدون بث فضائي، وبدون فيسبوك، وتويتر، وبدون بعوض الكتروني.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …