منصة الصباح
طارق القزيري

رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس

طارق القزيري

سيدي الرئيس

بعد التحية والاحترام

هذه الرسالة موجهة لك شخصيا، أعرف ان البعض قد يشتبه عليه الأمر، وسيحاول المشاغبة بسؤال تحديد هويتك، لكنني أعرف من أحدث، وأنت تعرف أنني أحدثك أنت بالذات، فلا يعنيني الآخرون.

سيدي:

أنا رجل بعد كل هذا السنوات أستيقظ ضميري، أو لعلي تذكرت فأيقظته، سيدي مشكلة الضمائر، أنها مزاجية أحيانا، كسولة أحيانا أخرى، لذلك لا يهم اجابة السؤال لماذا الان – كما لا يهم السؤال عن هويتك – فأنت معروف، وضميري كذلك، فلن أهتم.

سيدي: كنت طالبا في مدرسة الاستقلال بأجدابيا، وكنت عضوا في الفريق الاذاعي، وهي ميزة كانت تعفيني من الطابور الصباحي، بردا وقيظا، وكنت اقرأ سلسلة من “سيرة الصحابة” رضوان الله عليهم، على الطلاب – زملائي أقصد – ومنهم من لا يحب سماع حتى سيرته الشخصية آنذاك، أو سيرة والديه.

ولكن ماذا تفعل؟ فلو تركت سيرة الصحابة لوقفت معهم! وهذا خيار – سيدي الرئيس – غير سديد، وأنا بالذات تعلم ذلك أكثر من أي مواطن آخر، وليس الطلبة فقط. أليس كذلك يا “ريس البلاد؟

سيدي: الحديث عن الصحابة منفعة، وهو كذلك أجر، ولكن لسبب ما، غادرنا أحد أعضاء الفريق الاذاعي، وقد طال الزمن ونسيت لماذا!. وكلفني الاستاذ المشرف، وغالبا أنه كان أستاذ “رفعت” مدرس اللغة العربية، بتقديم فقرة إضافية وهي “حكمة اليوم” وهذه الفقرة بالذات سبب رسالتي إليك.

تذكرت من فترة، مجموع الحكم والمواعظ التي قلتها خلال السنة الثانية الإعدادية، لطلاب المدرسة، أعني مدرسة الاستقلال بأجدابيا، ولأن المدرسة في وسط الاحياء السكنية، أستطيع أن أخمن ان سكانها قد استمعوا إلى حكمتي ومواعظي المختارة، وهذا يزيد ضميري، بعد أن استيقظ نشطا أعباء غير مقدورة، عافاك الله.

سيدي الرئيس:

لن أطيل عليك، فقط تصور أنني كنت أقول لزملائي على رؤوس الأشهاد وامام الجيران والناس: أن “من جد وجد، وأن من زرع حصد” مثلا. فهل يمكنك تصور حجم الاستخفاف بالمصير سيدي!؟ حكمة واحدة في يوم واحد من أصل موسم دراسي كامل، لو تذكرها أو أثبتها “النائب العام” اليوم، وأنني كنت اصدح بها، مضللا الرأي العام والطلابي في اجدابيا ربما سأكون في شارع السيدي قادما من معيتيقة او السبعة أو عائدا إلى احدهما اليوم قررت أن أعترف أمامك، بكل الحكم والمواعظ التي ألقيتها على زملائي ومن وصل إليه صوتي، وأغلب الظن ان المعلمين لم يستمعوا إلي، لذلك يمكن استثنائهم مالم يقم دليل على خلافه.

ولهذا فضميري لن يرتاح حتى أعتذر، لهم جميعا ولورثتهم، فقد رحل منهم الكثيرون للأسف، كما أعلم.

فأنا الحقيقة، ساهمت بشكل أو بآخر، في تغييبهم عن الواقع، وكنت سببا في وصول البلاد لما وصلت إليه، فمن يخبر الناس أن الاستيقاظ في الصباح الباكر منفعة، والنوم مبكرا فائدة، وأن الجلوس مع الاشرار مهلكة، وأن الكسب الحلال فقط هو الأفضل، يجب عليه الاعتذار، لذلك بادرت من تلقاء نفسي بالاعتراف بذنبي، وإبراء ذمتي امام ليبيا واجدابيا، ومدرسة الاستقلال نفسها.

ولعلك تسأل الان – إذا وصلت فعلا حتى هذا السطر – لماذا أكتب لك؟ وأكتب لك أنت بالذات!؟ نعم. الحق أنه سؤال وجيه ومنطقي ومن حقك.

وما دفعني لذلك هو أن اطلب منك بصراحة: ألا تنسى أسم مدرستي، صحيح أنني خدعت زملائي وجيران مدرستي، حتى وان لم يسمعني المعلمون أساتذتي يومها – لكنني أحب مدرستي واحب وطني، واحب اجدابيا وأحب ليبيا، واتمنى منك – كائنا من كنت – ألا تنسى أسم مدرستي.

انها مدرسة “الاستقلال” نعم لا تنسى سيدي الرئيس (الاستقلال) سواء كانت في اجدابيا أو في مدينة أخرى.

أرجوك سيدي الرئيس تذكر فقط أسم مدرستي؛ وليكن بعدها ما يكون.

واعتذر لوقتكم إن قررتم أضاعته فعلا على قراءة رسالتي هذه.

 

 

شاهد أيضاً

د. علي عاشور

ثَقافَةُ الحُضُورِ… وَانْكِفاءُ الجُمهُورِ

باختصار  د. علي عاشور في السنوات الأخيرة بدأت تتشكل داخل الوسط العلمي والثقافي الليبي ظاهرة …