منصة الصباح
مفتاح المصباحي

هل نُعاني أزمة وزراء.. أم أزمة ضمير..؟

مفتاح المصباحي

أثارت قضية إيقاف وزير التربية والتعليم بحكومة الوحدة الوطنية، وبعض كبار موظفي الوزارة، عن العمل، وحبسهم على ذمة التحقيق في قضية طباعة الكتاب المدرسي، جدلاً واسعاً بين كل فئات المجتمع، وذلك استغراباً لوصول الفساد والمتاحرة بالكتاب المدرسي أساس تعليم أبنائنا من سيقودون البلاد مستقبلاً..

وحبس وزير التعليم ليس الأول ولن يكون الأخير في كشف الجهات الضبطية والرقابية للفساد، الذي يضرب بأطنابه كافة ربوع البلاد، وجميع مناحي الحياة فيها..

إلا أن قضية الفساد في طباعة الكتاب المدرسي، وقبلها قضية الفساد في توريد أدوية الأورام، تجعل العقل جامداً عن التفكير، وتستحي جميع المبررات من الظهور، حين يصل بعض البشر للمتاجرة والتربح على حساب آلام المرضى، وتجهيل التلاميذ..

ورغم أن مثل هذه القضايا محمودة غالباً، إذ تبيّن من زاوية أنْ لا أحد مهما كان منصبه خارج دائرة المتابعة والرقابة والضبط، إلا أنها تطرح أسئلة عميقة حول معايير اختيار شاغلي المناصب في الدولة، خاصة المناصب العُليا في الحكومات والإدارات..

ومع اليقين أن قدرة الإنسان عن كشف خفايا الأنفس مستحيلة، فتلك أمور ربانية، فالله وحده يعلم خائنة الأنفس وما تخفي الصدور، ولكن من البديهي وجود اشتراطات ومعايير وتقييم للمترشح لأي وظيفة، ولو كانت كاتب ثاني بمكتب بسيط، فما بالك بمن يتم ترشيحهم وتوليهم لمناصب عُليا مسؤولة عن البلاد والعباد..

ولنُكن منصفين، فإن ما نعانيه ليس فساد أشخاص، بالإمكان تتبعهم وضبطهم وإنهاء الفساد الصادر عنهم، بل فساد أصبح واضحاً في منظومة القيم المجتمعية، التي ترى المال العام مغنماً، والمؤسسة ملك خاص، والموظفين خدم وأتباع..

فمن يدَّعي الالتزام الديني ويخضّب لحيته المغطية لقفصه الصدري بالحنَّاء، ويبيع السلعة بالبطاقة أو الصك بسعر أعلى من سعرها بالكاش، هو إنسان فاسد، والمعلم والطبيب اللذان يعملان صباحاً بمؤسسات الدولة، ومساءً بالمؤسسات الخاصة فاسدان، والأب الذي يرى ابنه يمتلك سيارة دون علمه كيف جاء بثمنها هو أب فاسد، والأم التي ترى هاتفاً بيد ابنتها وهي تعلم ان لا قدرة لها على ثمنه هي أم فاسدة، والرئيس الذي لا يتابع عمل وتصرفات مرؤوسيه حتى من خلال التقارير الدورية، وينتقدهم حين كشف فسادهم هو رئيس فاسد، والتاجر ورجل الأعمال الذي لا زال اسمه في منظومة مرتبات الدولة هو كذلك فاسد..

وحتى نحن منتقدي الفساد، من نملأ صفحات التواصل وأحاديث جلساتنا بانتقاد المسؤولين وفسادهم، لو قمنا بمراجعة ذاتية لتصرفاتنا وأفعالنا في الحياة لوجدنا ان الفساد ينخرها..

نحن لا نعاني أزمة فساد، بل أزمة ضمير جمعي، قمنا بتخديره وتنويمه، حتى صار أحدنا يصرخ أنا الدولة أنا الشعب، في تماهٍ مُقزز لتأليه الإنسان، ومن لم يستطع منا فعل ذلك، أصبح تابعاً ممسوخاً يؤله غيره ويمجّده..

شاهد أيضاً

القضاء الفرنسي ينظر في طلب الإفراج عن ساركوزي

القضاء الفرنسي ينظر في طلب الإفراج عن ساركوزي

اكدت مصادر ان القضاء الفرنسي سينظر في العاشر من نوفمبر الجاري في طلب الإفراج عن …