لم يخلق المصري القديم ظاهرة التعامد، فالشمس لا تخضع لإرادة البشر، وإنما اكتشف بدقة الملاحظة والحساب، أن أشعتها تتعامد على نقطة ثابتة في ظاهرة تتكرر في موعدي البذر والحصاد يومي 21 أكتوبر و21 فبراير سنويًا، فوظّف المعلومة بذكاء عند تشييد معبد أبو سمبل، ووضع المعادلات الهندسية لتصميم قدس الأقداس بحيث تخترقه الشمس وتضيء وجوه تماثيل رمسيس الثاني وآمون رع ورع حور آختي، بينما يظل بتاح رمزًا للعتمة والخفاء، ورسم خطة مباركة الإله (رع) للملك حين يضيء وجهه عند الشروق مرتين سنويًا وقرر إعلانهما يومي ميلاده وتتويجه، وهكذا تم توظيف ظاهرة كونية لا إرادية، لتوجيه العامة نحو تقديس الحاكم دون أن يدركوا لقرون أن ما يبهرهم ويغيب عقولهم هو مجرد نتيجة هندسية فلكية محسوبة يمكن تنفيذها في أي مكان وزمان في مناطق أخرى بين مداري السرطان والجدي، سواء على وجه تمثال الملك أو على جذع شجرة يابسة فوق رمال الصحراء.
عبد القدماء الإله (رع) واتخذوا الشمس رمزًا له، ووُظفت المعرفة لخدمة تحالف سلطة الحاكم والكهنة، عمّق الجهل الدهشة قبل أن يفضح التطور العلمي السر وتعاد محاكاته عند نقل المعبد لإعادة استثمار الفكرة، واليوم تتعامد الشمس في بقعة مختلفة عما اعتادت عليه منذ 33 قرنًا، بعد أن غمرت مياه بحيرة ناصر البقعة القديمة، ففي ستينيات القرن الماضي، واجه المعبد خطر الغرق بسبب السد العالي، فتم تفكيكه ونقله بمشاركة اليونسكو وبتبرعات دولية ضخمة، إلى مكان آخر يرتفع عن مستواه الأول بمقدار 65 مترًا، هذا النقل جعل تكرار التعامد في نفس التوقيت مستحيلًا، فأزيح الحدث للتاريخ الأقرب وهو 22 أكتوبر و22 فبراير.
ومع أنه لا يولد شخص في يومين ولا مرتين، لكن الظاهرة تستهوي آلاف السياح سنويًا، وتحولت فكرة التعامد من وسيلة لإخضاع الوعي، إلى عرض لتنشيط السياحة، وشاهد على توظيف العلم والمعرفة منذ الأزمنة الغابرة، فمن يحتكر سرّ المعرفة في أي زمن، يملك القدرة على توجيه البشر لتحقيق غاياته.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية