منصة الصباح
‏ من يُحاسب على جرائم البيئة؟

‏ من يُحاسب على جرائم البيئة؟

‏استطلاع: عفاف التاورغي – ‏تصوير: حسناء سليمان

‏تغمر رائحة النفايات شوارع المدن الليبية، وتتكدس أكوام البلاستيك في الأزقة، بينما يتصاعد دخان المكبات العشوائية في الأحياء.

‏مشاهد مألوفة باتت تُشكّل تفاصيل الحياة اليومية، في بلدٍ كانت شواطئه يومًا مضرب المثل في النقاء والجمال، قبل أن تتحول بيئته إلى ضحية صامتة للإهمال وغياب المساءلة.

‏في هذا الاستطلاع، ترصد صحيفة الصباح آراء مواطنين وخبراء حول واقع البيئة الليبية، بين ضعف أداء المؤسسات وتقصير المجتمع، لتبقى الجرائم البيئية جرحًا مفتوحًا بلا محاسبة.

‏صوت المواطن… بيئة تختنق ولا أحد يتحرك

‏‏فاطمة السنوسي – ربة بيت:

‏”النفايات أصبحت جزءًا من المشهد اليومي، خاصة قرب الأسواق والأحياء السكنية. البحر الذي كنا نرتاده أصبح ملوثًا بالزيوت والبلاستيك. الدولة غائبة، والمواطن لا يتحمل مسؤولياته، فنحن جميعًا نشارك في هذه الكارثة دون وعي.”

مضاد أمل….. شوارع خالية من القمامة

‏عمر الترهوني – صاحب مقهى:

‏”القضية أكبر من القمامة. مشكلتنا في غياب ثقافة بيئية حقيقية. الناس ترمي النفايات دون وعي، والبلديات تعمل بإمكانيات محدودة. نحتاج إلى ثورة وعي قبل أي معدات نظافة.”

‏سعاد بن غرسة – طالبة طب:

‏”النفايات الطبية خطر خفي. كثير من العيادات تتخلص من المحاقن والمخلفات بطرق عشوائية، ما يهدد صحة الناس والمياه الجوفية. الرقابة غائبة، والمسؤولية مشتركة بين وزارة الصحة والبلديات.”

‏عبدالرحمن الورفلي – موظف موانئ:

‏”البحر يموت أمام أعيننا. تُلقى فيه مخلفات الصيانة والنفايات الصناعية بلا رادع. الصيادون يشكون من نفوق الأسماك وتراجع الإنتاج، لكن لا أحد يسمعهم.”

‏مصطفى القزيري – عامل نظافة:

‏”نبدأ العمل من الفجر، لكن الناس لا تساعد. بعد مرور سيارات الجمع، يعود البعض لرمي القمامة. نعمل في ظروف صعبة بلا أدوات حماية. نحتاج دعمًا واحترامًا، لا مجرد وعود.”

‏بين المواطن والمسؤول… من يتحمل الوزر؟

‏يُجمع الشارع الليبي على أن التلوث لم يعد مشكلة خدمية فحسب، بل أزمة قيم وسلوك وضمير.

‏فبين غياب القوانين الرادعة، وتقصير المؤسسات العامة، واستمرار السلوكيات السلبية، تتدهور بيئة ليبيا يومًا بعد يوم.

‏ويبقى السؤال معلقًا: من يُحاسب على جرائم البيئة؟

‏زاهية المنفي: ليبيا تختنق… ولا أحد يسأل

أ.زاهية المنفي

‏”كل صباح نفتح النوافذ على مشهدٍ واحد: نفايات متراكمة وأكياس تتطاير وروائح خانقة.

‏نكاد نختنق من صمتٍ طويل يُغلف الخراب البيئي المتفاقم.”

‏تصف الناشطة زاهية المنفي ما يحدث بأنه جريمة بيئية صامتة، يتقاسمها المواطن والمسؤول معًا، فـ”البيئة ضحية غياب الدولة وغياب الوعي في آنٍ واحد”.

‏ومضات أمل… “بلاستيك أقل، حياة أفضل”

‏رغم قتامة المشهد، تبرز مبادرات محلية تعيد الأمل.

‏منها حملة “بلاستيك أقل… حياة أفضل” التي أطلقتها منظمة أنا لحقوق المرأة بدعم من الوكالة الإيطالية للتعاون والتنمية.

‏انطلقت الحملة من فكرة أن التغيير يبدأ من الوعي، فعملت على تنظيف الشواطئ وتدريب الأسر على فرز النفايات وتشجيع الأطفال على السلوك البيئي الإيجابي.

‏تقول إحدى القائمات عليها:

‏”بدأنا بالتوعية لأن التغيير لا يبدأ بالمشاريع بل بالعقول. التغيير بدأ فعلاً، ولو بخطواتٍ صغيرة.”

ما يحدث هو جريمة صادمة
‏المرأة الليبية… خط الدفاع الأول عن البيئة

‏تثبت المرأة الليبية حضورها البيئي من البيت إلى الشارع، إذ تقود حملات توعية وتساهم في الحد من استخدام البلاستيك.

‏في مناطق مثل سوق الجمعة، تُحوّل سيدات النفايات المنزلية إلى منتجات مفيدة، في نموذجٍ محلي يُجسّد الإبداع في مواجهة الأزمة.

‏”حين تُربي الأم أبناءها على احترام البيئة، فهي تزرع وطنًا أنظف في وجدانهم.”

‏رأي دكتور ابراهيم الجربوعي… البيئة ليست رفاهية بل مسؤولية وطنية

‏يؤكد الدكتور إبراهيم الجربوعي أن ما تشهده ليبيا من تلوث هو نتيجة غياب الثقافة البيئية لدى الأفراد والمؤسسات.

‏”البيئة ليست رفاهية، بل مسؤولية وطنية تتقاطع فيها القيم مع الاقتصاد. التزام المؤسسات بالممارسات البيئية يخلق ثقة بين المواطن ومؤسسات بلده.”

‏ويضيف أن بناء وعي بيئي مستدام هو أساس التنمية، وأن الإعلام شريك رئيسي في ترسيخ مفهوم “المواطنة البيئية المسؤولة”.

‏كلمة أخيرة… نداء للوطن

‏البيئة ليست قضية هامشية، بل قضية وجود..‏إذا خسرناها، خسرنا وطننا.

‏فلنبدأ بأنفسنا: نقلل من البلاستيك، نحافظ على نظافة شوارعنا، ونعلم أبناءنا أن البيئة ليست خارجهم بل هي حياتهم.

‏ البيئة ليست رفاهية… إنها حياة.

شاهد أيضاً

السيولة النقدية.. وعود تنتظر التأكيد

السيولة النقدية.. وعود تنتظر التأكيد

استطلاع: عواطف علي شهد الأسبوع الجاري انفراجة محدودة في أزمة السيولة النقدية، بعد أن ضخّ …