استطلاع: سعاد الفرجاني
في كل إشعار يصل إلى هواتفنا، وكل نقرة على رابط غير مألوف، يكمن احتمال أن نكون هدفًا لجهة خفية تتعقب بياناتنا، تتجسس على خصوصياتنا، أو تبتزّنا بما نملك من صور ومعلومات.
في عصر التكنولوجيا المتصلة، لم يعد الأمن السيبراني رفاهية تقنية، بل بات جزءًا من أمننا الشخصي اليومي. رغم الانتشار الواسع للتقنية، يظل غياب التشريعات الحديثة، وضعف البنية التحتية، والاستخدام غير الواعي للهواتف الذكية عوامل تزيد من هشاشة المجتمع أمام الاختراقات والاحتيال.
رصدت «الصباح» شهادات مواطنين خاضوا تجارب مؤلمة مع التهديدات الإلكترونية — من فقدان أموال إلى ابتزاز نفسي وتشويه سمعة — لتترجم الفجوة الحقيقية بين المستخدم والمخاطر الرقمية المتصاعدة.

إشعارات خادعة
أكدت موظفة في وزارة الزراعة، فضّلت عدم ذكر اسمها، أنها فقدت كامل رصيدها المصرفي بعد أن تلقت رسالة تطلب تحديث بياناتها. الرابط بدا رسميًا ويحمل شعار المصرف، فدخلت رقم بطاقتها قبل أن تكتشف اختفاء المبلغ. وعند تواصلها مع المصرف، بيّن الموظفون أن البيانات قُدمت من قبل صاحب البطاقة نفسها، ما دفعها إلى التحذير من تنامي أساليب الاحتيال المهنية التي تتنكر بصور رسمية.
فخ رقمي
رويدا ناجي تلقت رسائل تدعوها للمشاركة في “مسابقات فورية” عبر روابط جذابة تطلب رقم الهاتف أو كود التحقق. في إحدى المرات ضغطت على رابط بدا رسميًا، ثم طُلِب منها إدخال كود وصلها برسالة قصيرة؛ بعدها بدأت رسائل غريبة تصل إلى هاتفها، وتبيّن لها أن حسابها يُستخدم لإرسال روابط احتيالية لدوائر واسعة من معارفها.
وحذرت رويدا من أن التحقق من المصدر يجب أن يكون الخطوة الأولى دائمًا قبل التفاعل مع أي رابط مفاجئ.
روابط وهمية

تعرض حسام محمد، صاحب متجر إلكتروني، لاختراق حسابه التجاري على فيسبوك بعد أن فتح رابطًا أرسله له زبون يبدو حقيقيًا. فقدان السيطرة على الصفحة وتحولها إلى أداة لإرسال روابط احتيالية هزّ ثقة زبائنه، وأدى إلى تراجع المبيعات وسوء سمعة لم يتوقعه.
وأشار حسام إلى أن الحماية الحقيقية تتطلب أنظمة مؤسسية وإجراءات أمنية متقدمة، لا حلولًا سطحية قابلة للاختراق.
ابتزاز مجهول

ابتسام الورفلي، معلمة لغة عربية، رصدت حالات بين تلاميذها تبدأ بمحادثات ودية عبر الإنترنت وتنتهي بتهديدات بنشر صور خاصة. أحد الطلاب أرسل صورًا لشخص اتصل به عبر المنصات، فتلقّى تهديدات بنشرها مقابل مال أو صور إضافية، ما دفعه إلى حالة من الانهيار النفسي وعدم الرغبة في العودة إلى المدرسة بارتياح.
وشدّدت الورفلي على أن غياب برامج التوعية في المدارس يترك الأطفال فريسة سهلة لممارسات مبتزة وخفية.
حماية الخصوصية
نرجس علي، طالبة جامعية، كانت تشارك صورًا ومحتوى على حساباتها دون أن تعلم أن بعض التطبيقات تتتبع نشاطها بالكامل. في مناسبة تلقت رسالة تطلب تحديث حسابها، وكادت تفقد ملفات وصورًا ثمينة على هاتفها.
وأكدت أن الوعي الرقمي يتجاوز المهارات التقنية إلى الانتباه لكل خطوة على الشبكة، داعية الجامعات والمؤسسات إلى إطلاق دورات توعوية عملية للشباب.
أساتذة مخترقون

وقع مروان عاشور، محاضر جامعي، ضحية رسالة تصيّد ذكية طالبت بتسجيل الدخول لدورة تدريبية. بعد أن أدخل بياناته بحسن نية، تعطّل بريده الأكاديمي بالكامل في اليوم التالي، ما أثر على تواصلاته المهنية والأكاديمية.
ويشير مروان إلى أن الخبرة لا تحمي بالكامل من خدع متطورة تتلاعب بالثقة الرقمية، مطالبًا بإدراج مفاهيم الأمن الرقمي ضمن برامج التدريب الجامعي لأعضاء هيئة التدريس.
اختراق صامت
هبة الطرابلسي، موظفة في شركة خاصة، نشرت صورة عادية على حسابها، ثم فوجئت بعد أسبوع برابط يحتوي نفس الصورة معدّلة بطريقة مسيئة مع رسالة ابتزاز: “ادفعي أو انشريها بنفسك”. التجربة تركتها في حالة ذعر وانكفاء عن الحياة الرقمية، إذ صعب عليها تتبع المرسل أو استعادة السيطرة.
وتقول هبة إن أسوأ ما في الأمر هو سهولة ارتكاب الجريمة وبالتالي استحالة الشعور بالأمان مجددًا في فضاء افتراضي لا ينصف الضحية.
إحصاءات مقلقة

أشار الدكتور محمد عبد الرحمن الفيتوري، الناطق باسم جهاز مكافحة المخدرات ورئيس مبادرة “خط أحمر” لتعزيز الأمن الرقمي الأسري، في مؤتمر سابق قمت بتغطيته إلى إحصاءات مهمة تتوافق مع تجارب المواطنين التي رصدتها الصحيفة.
وأوضح أن 48% من الاختراقات تتم عبر شبكات واي فاي غير محمية، وأن النساء يتكبّدن خسائر تصل إلى نحو 8 مليارات دولار سنويًا نتيجة عمليات التصيد المالي.
كما بيّن أن 62% من اختراقات الكاميرات تعود إلى تحديثات مزيفة، وأن واحدة من كل خمس ضحايا تفقد عملها بسبب التشهير الرقمي، فيما ارتفعت جرائم التزييف الإباحي بنسبة 400% باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
وختم الفيتوري بالتأكيد على أن العدد الكبير لمستخدمي الإنترنت يزيد من اتساع المخاطر الرقمية، ما يستلزم تكثيف برامج التوعية والحماية لضمان بيئة رقمية آمنة.
الخاتمة
تشير الشهادات والإحصاءات إلى واقع رقمي هش تتصاعد فيه المخاطر بصمت. بين أدوات قرصنة متطورة ووعي مجتمعي متأخر، يقف المستخدم وحده أمام تهديدات قد تترك أثرًا دائمًا على حياته العملية والشخصية. الأمن السيبراني لم يعد خيارًا تقنيًا فحسب، بل ضرورة اجتماعية تطال الأسرة والمدرسة والمؤسسة والحكومة معًا.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية