بقلم / رمضان سليم
تثير الأفلام الكوميدية المنتجة في الثلاثة العقود الأخيرة في مصر الكثير من التساؤلات، والسبب يعود إلى أنها وباعتبارها من الأنواع الرئيسية قد طردت باقي الأنواع السينمائية ، فأمام عشرات الأفلام الكوميدية المنتجة، لا نجد إلا فيلما أو أكثر من نوعية أخرى.. فلا تحضر أفلام الحركة أو الميلودراما أو الافلام التاريخية أو البوليسية، وبالفعل لا تقدم دوائر الانتاج إلا سلسلة من الإنتاجات الكوميدية والتي توصف بأنها باهتة وضعيفة المستوى فى اكثر الاحيان ، على اعتبار أن هذه النوعية يطلبها الجمهور وتحقق الأرباح العالية لتتواصل صناعة السينما وتستمر ، و النوعية الكوميدية قد فرضت نفسها تجاريا وليس هناك بديل عنها او هكذا سارت الامور بحساب الربح والخسارة . عالميا يفرض الفيلم الكوميدي حضوره ولكنه يندمج أحيانا في أفلام من نوعيات أخرى وتبقى كل الأنواع موجودة ويطلبها الجمهور.
أما عربيا فالأفلام المنتجة على مستوى الكوميديا قليلة نسبيا ويبقى نجاح بعضها رهن الظروف الخاصة كما حدث في أفلام معينة من المغرب مثل “البحث عن زوج مراتي” وأفلام عبد اللطيف عبد الحميد من سوريا او فيلم تاكسي مخفي من الجزائر . علينا إذن أن نذهب مباشرة إلى الإنتاج السينمائي في مصر لمعرفة أوضاع الفيلم الكوميدي العربي، خصوصا وأن الكوميديا قد ظلت مسيطرة على السينما في مصر لسنوات طويلة ، وليس الأمر وليد اللحظة الراهنة. تقول المصادر بأن أول فيلم كوميدي في تاريخ السينما هو “مشاكسة البستاني” وهو ينسب إلى لويس لوميير من فرنسا، أما في أمريكا فإن أول فيلم كوميدي هو “ألفريد يعطس” عام 1895.
في مصر تقول بعض المصادر أن أول فيلم كوميدي هو “مدام لوريتا” عام 1919، وهو فيلم قصير من إخراج ليونا ولاريتشي أما الأدوار فهي لفوزي الجزايرلي وفرقته المسرحية. ولا شك أن هناك ارتباطا بين السينما والمسرح في البدايات وبالتالي فإن الكوميديا قد اعتبرت محور اساسي السينما والمسرح واستطاعت أن تحقق رواجا، اعتمادا على الكوميديا فقط، وبالإضافة إلى الأغنية والموسيقى والرقص في ألوان غلب عليها ما يعرف باسم “كوميديا الفارس”. وفي بعض الأحيان تدخل الكوميديا باعتبارها أحد مسارات الفيلم، ولو كان الشكل العام يميل إلى الدراما أو أفلام الحركة أو الميلودراما أو غيرها، فمن النادر أن نجد فيلما عربيا على وجه التحديد ولا توجد به كوميديا.
في العقود الأخيرة سيطر الفيلم الكوميدي على نوعية الإنتاج، حتى صار هو الأصل، لاسيما بالنسبة للإنتاج السينمائي في مصر خلال غثود من الزمن، وهدد هذا النوع بازاحة أنواع أخرى لاعتبارات تجارية طبعا، ورغم كل هذا فإن هناك مشكلات كثيرة تواجه الفيلم الكوميدي، يطرحها الدكتور وليد سيف في كتابه “سحر الكوميديا في الفيلم المصري” وهو من سلسلة آفاق السينما الصادرة في مصر عن هيئة قصور الثقافة.
من ضمن هذه المشاكل ما يشير اليه الكاتب في مقدمة الكتاب عندما يقول: “إذا كان تراثنا السينمائي يحفل حقا بعدد غير قليل من الأفلام الكوميدية المهمة والجيدة، إلا أنها لم تحظ بما تستحقه من تحليل لأدواتها الفنية.. وإذا كنا ننظر إلى الفيلم الكوميدي بكل هذا القدر من الاستهانة، فكيف نتوقع منه أن يحقق تقدما ملموسا أو تطورا على مستوى مفردات الصنعة أو اللغة السينمائية؟
من مشاكل الفيلم الكوميدي رغم تزايد إنتاجه في الآونة الأخيرة كما قلنا، أن كاتب الأفلام الكوميدية يجد نفسه في امتحان عسير دائما، إذ عليه إضحاك الجمهور وفي نفس اللحظة ، لا يمكنه الحديث عن معان أو تأويلات أخرى مؤجلة أو أفكار تحتاج إلى مزيد التأمل والاستيعاب، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة إيقاع الفيلم كاملا وإيقاع كل مشهد على حده. وبالطبع ليس هناك فيلم كوميدي خالص، حتى لو كان قريبا من “الفارس” او التهريج إذ ينتج الفيلم الكوميدي الحس الاجتماعي أو الحس النقدي أو الجانب الدرامي، وأحيانا يكون النجاح لصيق باعتبارات أخرى لها علاقة بالظروف والتحولات السياسية والاجتماعية.
يقول الكاتب: “في مجال النقد السينمائي ولفترة طويلة، اختلطت الصور والمفاهيم بين الأعمال الكوميدية الرديئة والخفيفة محكمة الصنع، والتي ربما لا تحمل قدرا كبيرا من الأفكار الهامة، لكنها تحقق متعة فنية من خلال الوعي والإدراك والتوظيف الجيد لقواعد البناء الدرامي والسينمائي في هذه الأعمال”.
نقول بان هذا الكتاب لا يدرس الكوميديا ولكن يدرس نجوم هذه الكوميديا مع الإشارة إلى رموزها، الذين استطاعوا أن يحققوا درجة كبيرة من النجاح وأن يتركوا تأثيرا كبيرا على الجمهور، ومن خلال ذلك يتم التعرض لنماذج من الأفلام الكوميدية التي سعت إلى توظيف اللغة السينمائية من إخراج وتصوير ومونتاج وخدع سينمائية” يعتمد تقسيم هذا الكتاب إذن على اسماء الممثلين في عالم الكوميديا والذين برزوا في تاريخ السينما في مصر، وكان من الطبيعي أن تكون البداية بالفنان نجيب الريحاني في قسم خاص بعنوان “نجيب الريحاني بين لغة السينما والكوميديا الريحانية”.
يقول المؤلف بأن أول أعمال نجيب الريحاني لم ينجز فعليا وكان فيلما صامتا من إخراج “جاك شوتز” 1929، أما الفيلم الثاني فقد كان صامتا، وأنجز فعلا وهو “صاحب السعادة كشكش بيه” عام 1931 وهو من إخراج استيفان روستي، ومثل باقي الممثلين المسرحيين لم يكن نجيب الريحاني مقدرا لفن السينما أو مقتنعا به لولا إلحاح المشجعين وأحيانا الحاجة المالية. وتقول الأخبار بأن الفيلم كان يعتمد على الارتجال ولقد نجح الفيلم رغم ذلك معتمدا على فكرة لنجيب الريحاني نفسه، وهذا ما انطبق أيضا على الفيلم التالي “حوادث كشكش بيه – ناطق – إنتاج 1931” وهو مفقود.
الفيلم الثالث هو “ياقوت” إخراج الفرنس أميل روزييه 1934 ونسخته موجودة، ولقد أقبل عليه الريحاني بدافع مادي.
من أهم الأفلام بالنسبة للريحاني “سلامة في خير” إخراج نيازي مصطفى 1925 وكذلك “سي عمر” إنتاج 1941. هناك أيضا فيلم “لعبة الست” وفيلم “أحمر شفايف” وهما من إخراج ولي الدين سامح ثم بعد ذلك الفيلم المهم “غزل البنات” وهو من إخراج “أنور وجدي” ولقد نجح الفيلم كثيرا بعكس الفيلم السابق “أبو حلموس” إخراج إبراهيم حلمي. يتوسع الكاتب في شرح وتفسير أحداث الأفلام الأخيرة الناجحة وكذلك توضيح أهم المشاهد التي نجح فيها الريحاني وأبرزت قدراته في التعبير بمساعدة المخرج وباقي العناصر. ويستخلص الكاتب بان أهم مميزات نجيب الريحاني قدرته على تقريب الشخصية إليه ولا يحاول أن يكون مصطنعا، وهو يعتمد على معايشة الشخصية القادمة “من الطبقات الدنيا” ولا يستخدم “اللازمة” او تكرار جملة معينة بقصد فرض الضحك، فهو قد انتقل بالتدرج إلى أن وصل إلى كوميديا الموقف بالتعاون مع أفراد آخرين بحيث يمكن أن نطلق عليه أنه صاحب اتجاه في الكوميديا. من الشخصيات التي يتعرض إليها الكتاب الممثل “إسماعيل ياسين” وهو ممثل فريد من نوعه في مجال الكوميديا، فهو الأشهر والأنجح، اقترنت أفلام كثيرة باسمه، ورغم أن عدد مشاركاته كثيرة “أكثر من 300 فيلم” إلا أنه مازال يحقق النجاح بعروض أفلامه فى القنوات وعلى الاسطوانات الحديثة.
بدأ إسماعيل ياسين بفيلم اسمه (خلف الحبايب ـ 1939 للمخرج فؤاد الجزايرلي وكانت تجربته الثانية بفيلم (مصنع الزوجات) عام 1941 وهو من إخراج نيازى مصطفى ويتميز إسماعيل ياسين كما يقول المؤلف، بأنه تعامل مع السينما مباشرة، ولم يكن لديه تاريخ مسرحي سابق يعرقله فى عملة الا بع ان اشتهر .
يتصاعد حضور إسماعيل ياسين تدريجيا من فيلم الى آخر، حتى يصل الى 19 فيلم عام 1949، وكل ذلك بسبب موهبته وقدرته على التعامل مع الة التصوير رغم ان الأدوار كانت هامشية او ثانوية. يحلل الناقد وليد سيف بعض الافلام التي عمل فيها إسماعيل ياسين ومنها فيلم (ابن الذوات) إخراج حسن الصيفى وفيلم (الميليونير 1950 ـ إخراج حلمى رفلة) وكذلك فيلم (الآنسة حنفى) لفطين عبد الوهاب. ثم جاءت بعد ذلك سلسلة أفلام إسماعيل ياسين، ومنها إسماعيل ياسين فى دمشق وفي الجيش وفى البوليس وفى الاسطول وغير ذلك من العناونين من الممثلين الى المخرجين، حيث يركز الكاتب فى فصل لاحق على المخرج عباس كامل ويسمى الفصل (محاولات فى التجريب).
لقد قدم عباس كامل عشرات الأفلام الكوميدية وكان فنانا شاملا، لا يكاد يهتم كثيرا بالنجوم، وينشغل بالمشاهد وتفاصيلها المتخيلة، بدلا من الحبكة الدرامية، انه يكاد يعتمد على الارتجال وكثرة مشاهد الغناء والرقص. من أهم أفلامه (فيروز هانم) 1951 والذى يرى الكاتب أنه يرمز الى الوصاية الأجنبية وتدخلها ولكن بمجرد استخدام التلميحات،التى لا تؤثر على أهمية الفيلم كوميديا وغنائيا. الفيلم الثانى الذى يرى الكاتب أن له تأثيرا واضحا، هو (عروسة المولد) لنفس المخرج عباس كامل إنتاج عام 1955 والسبب يعود الى الفكرة والمعالجه المبتكرة والاجتهاد فى توظيف التراث الشعبي لتقديم فيلم كوميدى استعراضي اقرب الى الفانتازيا.
كان أول فيلم لفطين عبد الوهاب هو (نادية) إنتاج عام 1949 فى حين ان أول أفلامه الكوميدية كان بعنوان (الأستاذة فاطمة) إنتاج عام 1950 وبطولة فاتن حمامة. اما النجاح الكبير فقد تحقق بفيلم (الآنسة حنفي) الذى سبقت الإشارة إليه. ولقد توالت أفلام فطين عبد الوهاب الكوميدية والتى نذكر منها (الزوجة13) مراتى مدير عام ـ عفريت مراتى، كرامة زوجتى ـ عائلة زيزى ـ إشاعة حب ـ اعترافات زوج ـ 7 أيام فى الجنة ـ ويخصص المؤلف بعض السطور لمناقشة بعض افلام المخرج مثل: ابن حميدو وارض النفاق ـ نصف ساعة زواج. ومن جانب آخر فإن الإشارة تبقى محدودة لبعض أفلام المخرج غير الكوميدية مثل طريد الفردوس والأخ الكبير ـ عبيد المال ـ الغريب.
اما بالنسبة للقراءة الموسعة للأفلام فيتم الاكتفاء بأربعة افلام وهى الأستاذة فاطمة حيث يعتمد الكاتب على دراسة مخصصة للفيلم كتبها الناقد ناجى فوزى، ثم الفيلم الثانى وهو (الزوجة 13) حيث يتم الاقتراب من أدوار الممثلين ومساهمتهم على حساب العناصر الفنية بالإضافة الى التركيز على أهم المشاهد فى هذا الفيلم وغيره. ومن الأفلام التى تتم الاشارة اليها بتوسع ايضا: ارض النفاق واخيرا فيلم اضواء المدينة انتاج عام 1972 يصل المؤلف فى كتابة (سحر الكوميديا فى الفيلم المصرى) الى أهم ممثل كوميدى وهو عادل امام والذى بدأ فى العمل فى السينما منذ عام 1964 وبدأ فى تصاعد مستمر، حيث قدم عام 1967 فيلم عفريت مراتى ـ البيجامة الحمراء ـ وأفلام اخرى مثل إجازة بالعافية ورضا بوند والمرايا وغراميات عفيفي. وسبعة ايام فى الجنة ومن أهم أدواره اكرامة زوجتي) وكذلك نص ساعة جواز والذى يفرد له الكاتب صفحات محدودة تركيزا على دور عادل امام فيه. ومن الأفلام التى يركز عليها الكاتب: البحث عن فضيحة ـ أزواج طائشون ـ جنس ناعم ـ المحفظة معايا ـ احنا بتاع الاتوبيس ـ الهلفوت ـ الأنثى والنمر ـ شمس الزناتى ـ وأيضا فيلم (رجب فوق صفيح ساخن) وكذلك شعبان تحت الصفر ـ وليلة شتاء دافئة. هناك نجاحات كبيرة حققها الممثل عادل إمام في مراحل لاحقة، ومن ذلك مثلا الغول، حتى لا يطير الدخان، مسجل خطر، وأفوكاتو، المتسول، ومن الأفلام التي استحقت وقفة خاصة كراكون في الشارع لمخرجه أحمد يحيى ثم المولد، حنفي الأبهة، اللعب مع الكبار، الإرهاب والكباب، وغير ذلك من الأفلام التي أبرزت الممثل عادل إمام بوصفه كوميديا وأيضا ممثلا. وبعودة إلى المخرجين الذين لهم علاقة بتطور فن الكوميديا في السينما المنتجة في مصر، نتعرف على مخرج آخر وهو رأفت الميهي الذي عرف واشتهر باعتباره سيناريست ناجحا قدم أعمالا مهمة مثل غروب وشروق وشيء في صدري وعلى من نطلق الرصاص.
أول أفلامه الكوميدية كان الأفوكاتو بعد الفيلم الأول “عيون لا تنام”.. يقول الكاتب: “في الحقيقة إن عبقرية الكوميديا في الفيلم تنبع من القدرة المدهشة على التقاط صور من واقعنا اليومي العجيب، أصبحنا نالفها ونعاني منها دون أن نستطيع إدراك الجانب الساخر فيها، فيقوم رأفت الميهي بإعادة صياغتها دراميا وسينمائيا ليلفت نظرنا إلى الأبعاد الساخرة للواقع الذي نعيشيه”.
. في فيلم آخر هو “السادة الرجال” يتجاوز المخرج الإطار النقليدي إلى قالب الفنتازيا ثم في فيلم “سمك لبن تمر هندي” يتجاوز كل الحدود المقبولة “دون أن يصيب هدفا بعينه”، حيث يمكن اعتبار الفيلم تجريبيا على مستوى الكوميديا “لكن الطابع التجريبي الخالص للفيلم وافتقاده للوحدة العضوية جعله أشبه بالمواقف الهزلية العبثية غير المترابطة”. أما الفيلم الثاني “سيداتي آنساتي” فهو أكثر الأفلام جودة، ففيه يتوصل المخرج إلى صيغة ملائمة ومناسبة لقدراته البصرية والإيقاعية، وهو يطوع الكوميديا لطرح أفكاره، ربما بقدر أكبر من باقي الأفلام مثل “تفاحة او ست الستات”.
ان السينما تتغير مع مرور السنوات فيقدم نماذج متعددة جديدة تقترن مع التطورات الأخيرة في السينما وصعود عدد من النجوم لهم مواصفات مختلفة ولعل أهمهم كما يقول مؤلف الكتاب “محمد هنيدي” الذي تدرج من أول مشهد ظهر فيه في فيلم “اسكندرية ليه” إلى فيلم “إسماعيلية رايح جاي” والذي حقق نجاحا كبيرا، فحاول المنتجون استغلال هذا النجاح بسرعة ، ومن هنا جاء الفيلم المعروف “صعيدي في الجامعة الأمريكية” الذي نجح أيضا وجاءت الأفلام بعد ذلك متتالية.
يتوسع المؤلف في تحليل بعض أفلام محمد هنيدي المعروفة وهي:” 1. صعيدي في الجامعة الأمريكية.. 2. همام في أمستردام.. 3. بلية ودماغه العالية.. 4. جاءنا البيان التالي.. 5. صاحب صاحبه”.. وبالطبع يكون التركيز على الممثل نفسه وكذلك على عناصر الكوميديا المتوزعة في هذه الأفلام ، لكننا أحيانا نقرأ نقدا عاديا للأفلام بصرف النظر عن طبيعة الكتاب المخصص للكوميديا.