منصة الصباح
عبدالرزاق الداهش

الشيخ أبوبكر

لم يكن ذلك الصباح طيبًا.

كان الهاتف يرن، وكان اسم الشيخ أبوبكر المسلاتي ظاهرًا على الشاشة.

ليس من عادة الشيخ الاتصال في مثل هذا الوقت.

والرجل، في الحقيقة، كان قليل الاتصال عبر الهاتف.

نعم.. صباح الخير يا شيخ!

قلت له ذلك، فجاء صوته متأخرًا، أو جاء صوت آخر.

كان يتكلم بحرقة، بوجع:

الشيخ أبوبكر “عطاك عمره”.

كان جوابًا صادمًا وقاسيًا، تحوّل إلى شظايا أسئلة:

ماذا؟ متى؟ كيف؟

الشيخ أبوبكر المسلاتي، أكثر من كونه مدققًا لغويًا، كان عشرةَ عمر.

رجل بالكاد تسمع صوته، أخذته اللغة المكتوبة، وحروف الجر، وأدوات الشرط، وذهب نصف بصره بين أوراق الأي فور.

في غير مرة جاءني الشيخ متذمرًا، بسبب خطأ لغوي في لافتة معلقة في الشارع الجمهورية.

كانت لديه حساسية استثنائية في التقاط الأخطاء اللغوية، وكان يتنازل عن كل معاشه ولا يتنازل عن همزة وصل.

اللغة العربية بالنسبة للشيخ أبوبكر هي البنت الوحيدة غير المسجَّلة معه في كتيب العائلة.

احدودب ظهره وهو يتابع كل حرف، وكل فاصلة، وكل تنوين، وكل ضمة.

رحل الشيخ أبوبكر دون أن يدقق في كلمة نعيٍ معلقةٍ في مدخل الهيئة.

تفتقده كل حروف الهجاء، وممرات صحيفة الصباح، والجمع المرئي لمجلة الليبية، ورصيف الشارع المقابل، وهو يتأبط خيرًا.

يفتقده الجميع، من الذين أحبوه، أو من الذين أحبوه، رجل لا يستخدم أدوات النفي مع كل ما هو عمل.

لم نخسر رجل، لأننا خسرنا مدرسة.

عبد الرزاق الداهش

شاهد أيضاً

د. مجدي الشارف الشبعاني

هل ليبيا على أعتاب تعويم للدينار؟ قراءة مقارنة مع التجربة المصرية

منذ مطلع العام 2025، تشهد ليبيا سلسلة من التحولات في سياسات النقد وإدارة سعر الصرف، …