منصة الصباح

سؤال الوعي .. أم وعي السؤال ؟

عمق

بقلم / علي المقرحي

في عصر بلغ من تقدمه العلمي  والتقني في مجالات عديدة ومنها المؤسسة على فتوحاته في مجال الذكاء الصناعي والهندسة البيولوجية والوراثية والسيبرنيتيك لا يبدو غريباً أن تُطرح « ولو من قبيل الاستشراف والتوقع ، بل والتوجس « أسئلة حول مسؤولية الروبوتات ، وهل يمكن أن نرى أو يشهد المستقبل روبوتات تتمتع بالحرية وبالمسؤولية  ؟

وهل للروبوتات أن تحب وأن تكره وأن تغار وتحقد ؟  .

كل ذلك لا يخلو « رغم أنه متوقع في عالم تداخلت وتمازجت فيه المعارف والعلوم « من طرافة ومن خطر ، ومن عمق دلالة أيضاً ، ذلك أن تداخل وتمازج العلوم في عصرنا هذا لا يكتفي بالمقاربات السطحية والتشابهات أو التناظر بين تلك العلوم وبين موضوعاتها ، إذ هو تداخلاً وتمازجاً من حيث عمومياتها كما كان الشأن قديماً وقبل أن تنفصل تلك العلوم عن الفلسفة التي ، كانت تعرف بأم العلوم « بل غدا متعلقاً بأدق دقائق العلوم وأخص خصوصياتها مثلما بأدق دقائق موضوعاتها خصائصها.

ولكن  إذا جاز لنا أن نتوقع أن تُطرح تلك الأسئلة ، فيما تعلق بالتقدم العلمي والذكاء الصناعي ، فلعل الاجدر بالطرح « وقد كان جديراً بالطرح منذ بدء التكوين « أن تدور أسئلة المسؤولية والحرية والحب والكراهية ، وما إلى ذلك من الملكات الحسية والوجدانية والفكرية ، على الحيوان أو عنه ، وإن يكن ذلك قد حدث فعلاً ، وأن الثقافة البشرية قد واجهت أسئلة في ذاك ، فلعل الاكتفاء بما طرحه بعض الفلاسفة والعلماء من تعريفات للإنسان ، وإعتبارهم إياه حيواناً اجتماعياً أو ضاحكاً أو لاعباً أو مفكراً ، وما إلى ذلك ، ثم قلب تلك التعريفات وإلباسها مقلوبة للحيوان ، أو عقد المقارنات بين الانسان والحيوان لتأكيد الفوارق بينهما كانت بعضاً من محاولات الإجابة على تلك الأسئلة .

ولكن الواقع لا يرفض تلك المقارنات ، فلا انتصاب القامة ولا القدرة على النطق والبيان اللغوي ، أو حتى الذكاء ما يميز الإنسان عن الحيوان ، بل يتميز الإنسان عن الحيوان بالوعي ، وبالوعي يتميز الإنسان عن الروبوت أيضاً . وبالوعي يتمايز الناس فيما بينهم ويمكن تمييزهم .

ولا يمكن للإنسان « فرداً وجماعة «  أن يواجه ما تلقيه الحياة في طريقه من عقبات ، وما يتمخض عنه الواقع من إشكاليات ومآزم  ،  بقامته المنتصبة أو بقدرته على النطق أو بالذكاء ، ولا الاعتماد على تلك الخصائص في معالجتها  بل لابد له من الوعي ، ذلك أنه لا يمكن استيعاب الحياة وشؤونها وملغزاتها ولا فهم حتى مظاهرها السطحية والمباشرة

دون الوعي ، الذي يمكن اعتباره تسمية إضافية للحياة نفسها في عمقها وشمولها وأسمى تجلياتها ، حتى  أن الدرجة التي يتسنمها الإنسان من الوعي تعبر عن  معرفته بالحياة وبذاته وقدرته على التحكم في طاقاته الحيوية الغلفاء  وتحقيق التجانس  والانسجام  بينها ، ذلك أنه بقدر ما لا تنحصر الحيوية في حدود الطاقة العضوية وقوة العضلات وخفة الحركة ، لا ينحصر الوعي في الفكر والنشاط الذهني وحدهما بل هو يتسع ليشمل كل الفاعليات البشرية ويعبر عن نفسه في كل نشاطات الإنسان ويجد تجسيده في أوثق تلك النشاطات صلة بالإبداع الذي ليس بدوره إلا التجلي الأسمى لطبيعة الحياة الجوهرية أي التطور ، بهذا المعنى ليس الوعي نقيض الموت والغيبوبة والذهول والتشتت ، بل هو إلى ذلك نقيض للضعف والخمول والتبلد والهياج والفوضى الانفعالية والنزق ، الوعي هو حضور الذات الإنسانية وانفعالياً وذهنياً ، وهو الاستنارة وامتلاء الوجود بالمعنى والقيمة والتحرر من حصار الفراغ وظلامية الرؤى وتجليات العدم .

ولأن الوعي هو ما يميز الإنسان عن غيره من كائنات عالمه ، فإن الوعي هو مسؤلية الإنسان دون غيره ، وهو السؤال المعقود بناصيته كل الأسئلة التي يطرحها الوجود والحياة على الإنسان ، كأسئلة المعنى والقيمة والجدوى والهدف ، وسؤال الحرية ، كحريته في أن يواجه تلك الأسئلة ويحاول الإجابة عليها ، أو أن يتجاهلها ويغرق في البلادة.

شاهد أيضاً

وحدة دعم المرأة تشارك في إطلاق الأكاديمية الدولية للمرأة الرائدة

شاركت وحدة دعم المرأة بالمفوضية العليا للانتخابات في إطلاق الأكاديمية الدولية للمرأة الرائدة، وذلك ضمن …