في كل قطرة دم تختبئ حياة كاملة ، وفي كل نبضة قلب يرتبط الأمل بوجود منظومة عادلة تحفظ هذا الشريان الأحمر من الهدر والضياع .
إن الدم ليس مادة بيولوجية فحسب ، بل هو لغة الحياة التي يتكلمها الجسد ، وجسر الأمان الذي يعبر به المريض من حافة الخطر إلى ضفة النجاة ،
وفي ليبيا باتت الحاجة إلى مشروع وطني لخدمات الدم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى مشروع يُبنى على التشريعات الواضحة ، والقوانين الصارمة ، والسياسات الدقيقة ، ليصنع نظامًا صحيًا عصريًا يليق بالإنسان وكرامته ، هذا المشروع لا يقوم على الفوضى أو الارتجال أو التجارة ، بل على هياكل محددة ، ووظائف موصوفة ، وكفاءات مؤهلة بخبرات عالية ، تتكامل مع بنية تحتية متطورة ، ومجهزة بأحدث التقنيات والتكنولوجيا الطبية والرقمية
ورغم أن خدمات الدم متوفرة بمعظم المستشفيات العامة ، إلا أن أصابتها الظروف التي تمر بها هذه المستشفيات ، وغياب هذه الخدمات عن المصحات الخاصة التي يلجأ إليها المرضى مرغمين ، دفعت الناس إلى الاستنجاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن متبرع ينقذ مريضًا في أمسّ الحاجة
إنه مشهد يُوجع الضمير الإنساني ، ويؤكد الحاجة إلى نظام خدمات دم موحّد ومنظم وعادل وفعّال ، هنا يصبح الدم الآمن حقًا لكل مريض ، والعدالة في الحصول عليه واجبًا لا يحتمل التأجيل ، بنوك الدم ذات المعايير العالمية تتحول إلى قلاع للحياة ، وسلاسل الإمداد المتكاملة من المتبرعين إلى غرف الطوارئ وغرف العمليات تصبح شرايين وطنية ، لا تتوقف لا في السلم ولا في الحرب ولا في الرخاء ولا في الكوارث والحوادث ،
إن هذه الرؤية لا تكتفي بالجانب التقني ، بل تمتد إلى الوعي المجتمعي ، فالتبرع بالدم ليس حدثًا عابرًا ، بل ثقافة وطنية تُغرس في النفوس ، وممارسة إنسانية تُجسد التضامن ، إن برامج التوعية المستمرة تحوّل كل مواطن إلى حامل رسالة ، وكل قطرة دم إلى عهد جماعي بالحياة ، ومع هذا كله ، يبقى البعد الإنساني هو جوهر المشروع ، فكل وحدة دم تُعطى لمريض سرطان ، أو لطفل يعاني من مرض وراثي ، أو لامرأة في مخاض عسير ، أو لمريض داخل لغرفة العمليات لإجراء عملية كبرى ، أو لمصاب في حادث ، هي في حقيقتها قصيدة من الرحمة ، وجسر من الكرامة يربط الوطن بأبنائه .
إن مشروع خدمات الدم ليس رفاهية صحية ، بل مسؤولية وطنية مقدسة ، وركيزة للأمن القومي ، وامتحان لمدى قدرة الدولة على صون حياة مواطنيها ، فالأمم تُقاس بما تقدمه لشعوبها في لحظة الضعف ، حين يتوقف القلب ويحتاج إلى قطرة لتستعاد الحياة .
من ينقد الحياة بقطرة دم ، يمنح الوطن معنى وجوده..
د.علي المبروك أبوقرين