منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

قطرات الدم حياة

في كل قطرة دم تختبئ حياة كاملة ، وفي كل نبضة قلب يرتبط الأمل بوجود منظومة عادلة تحفظ هذا الشريان الأحمر من الهدر والضياع .

إن الدم ليس مادة بيولوجية فحسب ، بل هو لغة الحياة التي يتكلمها الجسد ، وجسر الأمان الذي يعبر به المريض من حافة الخطر إلى ضفة النجاة ،

وفي ليبيا باتت الحاجة إلى مشروع وطني لخدمات الدم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى مشروع يُبنى على التشريعات الواضحة ، والقوانين الصارمة ، والسياسات الدقيقة ، ليصنع نظامًا صحيًا عصريًا يليق بالإنسان وكرامته ، هذا المشروع لا يقوم على الفوضى أو الارتجال أو التجارة ، بل على هياكل محددة ، ووظائف موصوفة ، وكفاءات مؤهلة بخبرات عالية ، تتكامل مع بنية تحتية متطورة ، ومجهزة بأحدث التقنيات والتكنولوجيا الطبية والرقمية

ورغم أن خدمات الدم متوفرة بمعظم المستشفيات العامة ، إلا أن أصابتها الظروف التي تمر بها هذه المستشفيات ، وغياب هذه الخدمات عن المصحات الخاصة التي يلجأ إليها المرضى مرغمين ، دفعت الناس إلى الاستنجاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن متبرع ينقذ مريضًا في أمسّ الحاجة

إنه مشهد يُوجع الضمير الإنساني ، ويؤكد الحاجة إلى نظام خدمات دم موحّد ومنظم وعادل وفعّال ، هنا يصبح الدم الآمن حقًا لكل مريض ، والعدالة في الحصول عليه واجبًا لا يحتمل التأجيل ، بنوك الدم ذات المعايير العالمية تتحول إلى قلاع للحياة ، وسلاسل الإمداد المتكاملة من المتبرعين إلى غرف الطوارئ وغرف العمليات تصبح شرايين وطنية ، لا تتوقف لا في السلم ولا في الحرب ولا في الرخاء ولا في الكوارث والحوادث ،

إن هذه الرؤية لا تكتفي بالجانب التقني ، بل تمتد إلى الوعي المجتمعي ، فالتبرع بالدم ليس حدثًا عابرًا ، بل ثقافة وطنية تُغرس في النفوس ، وممارسة إنسانية تُجسد التضامن ، إن برامج التوعية المستمرة تحوّل كل مواطن إلى حامل رسالة ، وكل قطرة دم إلى عهد جماعي بالحياة ، ومع هذا كله ، يبقى البعد الإنساني هو جوهر المشروع ، فكل وحدة دم تُعطى لمريض سرطان ، أو لطفل يعاني من مرض وراثي ، أو لامرأة في مخاض عسير ، أو لمريض داخل لغرفة العمليات لإجراء عملية كبرى ، أو لمصاب في حادث ، هي في حقيقتها قصيدة من الرحمة ، وجسر من الكرامة يربط الوطن بأبنائه .

إن مشروع خدمات الدم ليس رفاهية صحية ، بل مسؤولية وطنية مقدسة ، وركيزة للأمن القومي ، وامتحان لمدى قدرة الدولة على صون حياة مواطنيها ، فالأمم تُقاس بما تقدمه لشعوبها في لحظة الضعف ، حين يتوقف القلب ويحتاج إلى قطرة لتستعاد الحياة .

من ينقد الحياة بقطرة دم ، يمنح الوطن معنى وجوده..

د.علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

تسجيل إصابات بطاعون المجترات الصغيرة في مدن بالشرق

تسجيل إصابات بطاعون المجترات الصغيرة في مدن بالشرق

سجلت إصابات بمرض طاعون المجترات الصغيرة الذي يصيب الأغنام والماعز في عدة مناطق من شرق …