بوضوح
بقلم / عبدالرزاق الداهش
هل كان يمكن أن يموت نحو مليون رواندي من أقلية التوتسي، لو لم يكن هناك راديو رواندا، أو التلال الألف؟
كانت جملة قصيرة يرددها مذيع اسمه ، حسن إينجيزي على الأثير، تجر السكين على آلاف من السكان، بما فيهم من عجائز، وشيوخ، وأطفال صغار.
كانت جملة معمدة بالدم، والكراهية، والحقد الأسود: «دعونا نغني.. دعونا نفرح أيها الأصدقاء.. الصراصير ليسوا كثيرين»..
وهكذا صار الجار يقتل جاره، وصار الصديق يقتل صديقه، وصار أبناء الوطن أقل قيمة من الصراصير، تحت تأثير التنويم الإعلامي.
كانت الجماعات المسلحة المنتمية لغالبية الهوتو لم تعد ترى في أبناء رواندا من التوتسي بشرا، كانت تراهم حشرات، وكانوا يذبحون بالمناجل، وتهشم رؤوسهم بالحجارة.
والسؤال : ماذا لو لم يكن هذا الفائض من خطاب الكراهية، والضغينة، والتشفي، والتضليل في ليبيا؟
فهل سنصل إلى هذه الدرجة من العداوة ، ومن الأحقاد، ومن القتل، والدمار، والفرقة؟
لقد غفلنا في كل مرة عن الإعلام الذي كان جزءا من التوتر، وجزء من التشظي وجزءا من المشكلة، بدل أن يكون جزءا من الاستقرار، والوئام، والحل.
كان هناك مسار انتقالي بكل مشتقاته ، السياسية، والاقتصادية، والأمنية، ولكن لم يكن هناك مسار إعلامي.
كانت هناك ترتيبات أمنية، وترتيبات مالية، وترتيبات سياسية، ولكن لم يكن هناك حتى مجرد التفكير في ترتيبات إعلامية.
مؤتمر برلين أقر مسارا سياسيا، ومسارا أمنيا وعسكريا، ومسارا ثالثا اقتصادي، ولكنه تغافل عن المسار الإعلامي.
السلام، والاستقرار، والحوار السياسي، والمصالحة، كلها تحتاج إلى بيئة جاذبية، لا لإعلام التعبئة، والتجييش، والتحريض ضد الآخر المختلف.
لابد من مسار رابع يتعلق بخطاب مسؤول للتهدئة، ولمد الجسور مع مستقبل ليبيا الذي يتطلع إليه الليبيون.