منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

الصحة من التجزئة إلى التكامل

الحق في الصحة ليس منة بل هو معيار وجود الدولة الراشدة والعادلة ، والتي تجعل النظام الصحي محكوماً بقوانين واضحة ورقابة فعالة ، والتي تعتبر النظام الصحي ليس مجرد قطاع خدمي بل شهادة يومية على عدالتها وحكمتها وقدرتها على إيصال الخدمات الصحية لكل مواطن بالتساوي في الإمكانيات والجودة والزمن ، وقدرتها على الاستجابة للأزمات في سرعة الإنقاذ والتعافي ، وايمانها بأن الصحة أساس التعليم والعمل والإنتاج ، وهي ركيزة الاقتصاد واستقرار المجتمع ، وأساس التنمية المستدامة ، وهي التي تسعى نحو نظام صحي موحد ومرقمن يضمن التغطية الصحية الشاملة والعدالة الصحية ، وللأسف بلادنا تعاني من تشوهات عميقة تتجسد في تجزئة الخدمات الصحية ، وغياب التكامل بين الرعاية الأولية والعلاجية والتأهيلية ، والاعتقاد الخاطئ بأن الدولة عليها مسؤولية الرعاية الصحية الأولية بينما تترك الخدمات الاستشفائية والعلاجية والتأهيلية للقطاع الخاص وشركات التأمين ، ويزداد الخلل خطورة عندما ينظر إلى التأمين الصحي باعتباره الحل الأمثل لتمويل الخدمات الصحية ، فيتحول إلى بوابة واسعة للفساد ، ونهب الثروة العامة ، وتدهور صحة المواطن وافقاره ، وتعميق الفوارق الاجتماعية ، والتجارب المشابهة اثبتت انه زاد من التمارض والفساد بدل أن يحد منه ، وفتح المجال لتجار الصحة عبر خدمات رديئة وفواتير متضخمة ، وأدى إلى تسويق أدوية ومستلزمات مغشوشة ومزورة لحساب شبكات مافيا الصحة ، وتضخيم دور السوق الصحي ، وهمش دور الدولة في حماية صحة مواطنيها ، وأضعف المستشفيات العامة ، وركز على الكم لا على النوع ، فأصبح الهدف زيادة الإنفاق والفواتير لا تحسين الجودة ، وحتى لا تغرق الدولة في مزيد من إنهيارات في الخدمات الصحية عليها أن توقف هذا التشظي والتجزئة في اللانظام الصحي ، وتسعى جادة في بناء نظام صحي موحد ومرقمن يقوم على التكامل الصحي ، بتمويل عام مباشر من خزينة الدولة بحوكمة وشفافية ، باعتبار الصحة حق وليست سلعة ، وإن كل دينار أو دولار يستثمر في تعزيز صحة الناس يمنح الدولة رأس مآل بشري لا يقدر بثمن ، على إن التكامل يكون بين الخدمات الوقائية والعلاجية والتأهيلية والصحة الواحدة التي تربط صحة الإنسان بالبيئة والحيوان في منظومة شاملة ، يحقق وصول الجميع وحصولهم على خدمات صحية متقدمة وعالية الجودة ، دون إفلاس مالي أو تمييز بين الناس والمناطق ، بملفات صحية موحدة ومرقمنة ( سجلات إلكترونية ) ، ورقابة على الأدوية والمستلزمات والكوادر والاداء والنتائج ، ومنع وتجريم تضارب المصالح ، ومنع الجمع بين العام والخاص ، وإن الرهان على التأمين الصحي المشوه في دولة ريعية ليس سوى إستمرار وزيادة الأمراض ، وتوسيع فجوة الفساد الذي لا ينهب المال فقط بل ينهب أعمار الناس وكرامتهم ، وتدمير ممنهج للمستشفيات والمؤسسات الصحية العامة والتعليم الطبي العام الذي أصابته العدوى التدميرية ، فلا قوة لدولة تنهار مستشفياتها ولا توجد لديها منظومة تعليمية طبية متكاملة وفق المعايير الدولية ، إن الرهان الحقيقي هو على بناء نظام صحي متكامل قوي وفعال ومنصف يحمي الإنسان قبل الجيوب ، ويمنع المرض بدل أن يزيد المرض والتمارض ، والبديهي من يهمل الصحة يترك مواطنيه فريسة للمرض والاستغلال والابتزاز ، ومن يبني نظاماً صحيًا عادلاً يضع أساساً متيناً لنهضة الأمة ، والعدالة تبداء من ما قبل سرير المريض إلى ما بعد التعافي ، والحوكمة الحقيقية تقاس بقدرة الدولة على صون حياة مواطنيها ، إن قوة النظام الصحي تعكس قوة الدولة فهو المرآة التي تكشف صلابة الإدارة ونزاهتها أو ضعفها وفسادها ، ومهنية ومتخصصة أو إفراز النفوذ السياسي أو المالي ..

الصحة حق وليست سلعة

د.علي المبروك أبوقرين

 

 

شاهد أيضاً

في غياب نظام التأمين الصحي

أحلام محمد الكميشي استقبل المواطن الليبي التغطية الإعلامية لجولة رئيس هيئة الرقابة الإدارية في المستشفى …