منصة الصباح
مصطفى الطرابلسي.. شاعر المطر ومرثية درنة

مصطفى الطرابلسي.. شاعر المطر ومرثية درنة

في مدينةٍ اعتادت أن تجمع بين الجمال والوجع، رحل الشاعر الليبي مصطفى الطرابلسي ضحية إعصار دانيال في سبتمبر 2023، تاركًا إرثًا شعريًا يكاد يكون نبوءة عن الكارثة التي محَت وجه درنة وأغرقتها في الفقدان.

نبوءة مبكرة

منذ عام 2006، كتب الطرابلسي قصيدة صارت لازمة متوارثة بين أبناء المدينة:

“عظم الله يا خوي أجرك فيها…

درنة انتهت وتريد من يرثيها”

كان يحذّر من الإهمال، ويستشعر هشاشة مدينته، حتى صار مطلع القصيدة يتردد كلما ألمّت مصيبة بدرنة، وكأن الشاعر كتب مرثيتها قبل وقوع الكارثة بسنوات طويلة.

ابن المدينة وحفيد الثقافة

وُلد الطرابلسي في سبعينيات القرن الماضي وسط عائلة عريقة، فهو ابن المستشار القانوني الراحل عبد العزيز الطرابلسي، وحفيد العلامة مصطفى الطرابلسي مؤلف درنة الزاهرة. درس اللغة العربية وعمل أستاذًا لها، وأسّس “بيت درنة الثقافي”، وكان عضوًا في النادي الأفريقي المحلي.

عرفه أصدقاؤه بأنه “المرهف الشجاع”: شاعر حساس للجمال والتفاصيل الصغيرة.

المطر شاهدًا على الفساد

 

في قصيدته الشهيرة “المطر”، جعل من نزول المطر رمزًا كاشفًا للواقع بكل تناقضاته:

“يفضح الشوارع الرطبة

والمقاول الغشاش

والدولة الفاشلة…

يذكر الفقير بسقفه النحيل وردائه الهزيل”

هنا لا يتعامل المطر كغيثٍ رحيم فحسب، بل كعين فاضحة تكشف الغش والخذلان، وتعيد الفقراء إلى هشاشتهم اليومية.
البلاد الخراب

وفي نصه “كيف أجتاز البلاد الخراب؟”، تتجسد فلسفته الشعرية في مواجهة وطن منكسر:

“دليني كيف أجتاز البلاد الخراب!؟

لاختار منفاي بعيدًا عن قطيع الشوك…”

قصيدة تشي بوعي داخلي بالكارثة القادمة، وتطرح الحيرة أمام مأزق الإنسان في مدينة فقدت ملامحها.

شاعر المطر وصوت درنة

حتى آخر أيامه، ظل الطرابلسي يكتب عن مدينته ويذود عنها بالكلمة، مؤمنًا بأن الشعر ليس ترفًا، بل فعل مقاومة وتوثيق للذاكرة. كان يقول:
“كلما أشعلت المدينة أملًا ينسيها الوجع، كان بالمقابل ألف ريح تترصد الأنوار.”

وحين اجتاح إعصار دانيال درنة، رحل الطرابلسي مع مدينته، تاركًا

قصائده كمراثٍ مبكرة، وذاكرة تحفظ وجه درنة ووجعها.

إرث لا يموت

رحل الشاعر جسدًا، لكن صوته باقٍ. قصائده مثل “المطر” و”البلاد الخراب” تحوّلت إلى وثائق شعرية شاهدة على المدينة وأهلها، ومرآة للوجع الذي يسكن كل بيت.

تكريم الطرابلسي اليوم ليس خيارًا بل واجبًا: جمع أعماله في دواوين، إقامة أمسيات باسمه، وتوثيق تجربته كشاعر كتب مرثية مدينته قبل أن يبتلعها السيل.

شاهد أيضاً

إيطاليا توافق على إعادة المحكومين الليبيين إلى بلادهم لإكمال عقوباتهم

إيطاليا توافق على إعادة المحكومين الليبيين إلى بلادهم لإكمال عقوباتهم

صادق مجلس الشيوخ الإيطالي اليوم على اتفاقية نقل المحكومين الليبيين، والتي تسمح لهم باستكمال محكومياتهم …