مرّ عامان على الكارثة التي غيّرت وجه درنة وأحلامها، وأخذت معها آلاف الأرواح. وما زال وقع إعصار “دانيال” حاضرًا بقوة في ذاكرة الناس، يتنقل بين الحكايات، الصور، والكتابات التي تسعى إلى حفظ الذاكرة الجماعية من النسيان.
ثلاثة كتب صدرت خلال العامين الماضيين شكلت مجتمعةً أرشيفًا إنسانيًا وأدبيًا يوثق المأساة:
عبد الفتاح الشلوي: “فيضان درنة بين البحر والسدين”
كتاب من 572 صفحة، توزعت على 22 فصلًا و220 عنوانًا جزئيًا، تضمن شهادات حية، وأقوال خبراء، وإحصاءات دقيقة عن الخسائر البشرية والمادية. جمع فيه الشلوي تفاصيل الكارثة منذ لحظاتها الأولى، إلى ردود الفعل المحلية والدولية، ليقدمه كمرجع توثيقي شامل عن واحدة من أعنف الكوارث المائية في أفريقيا منذ أكثر من قرن.
مروة فرج الزواري: “كي لا ننسى درنة”
عمل يزاوج بين السرد التوثيقي والجانب الإبداعي، إذ يقدّم قصص الناجين الذين كتب لهم عمر جديد بعد الفيضان. استندت الزواري إلى تقنيات حديثة في إعادة بناء المشاهد عبر الذكاء الاصطناعي، ليمنح الكتاب بعدًا بصريًا يوثق الذاكرة بقدر ما يرويها، مؤكدةً أن تذكر المأساة فعل مقاومة بحد ذاته.
محبوبة خليفة: “كانوا بيننا”
نصوص تحمل شحنة وجدانية عالية، كتبتها محبوبة خليفة من قلب الفقد والمعايشة. ليس الغرض التوثيق فحسب، بل تقديم شهادة ذاتية ووجدانية عن معنى أن تخسر المدينة أبناءها دفعة واحدة. جاء الكتاب أقرب إلى مرثية ممتدة، تسرد تفاصيل الغياب وأثره على النفوس، مؤكدة أن من رحلوا “كانوا بيننا” حقيقة لا تمحوها المياه ولا الزمن.
بين الأرشيف والذاكرة الحية
مع هذه الإصدارات الثلاثة، تتوزع صورة درنة بين التوثيق الصارم للأحداث، والسرد القصصي الحي، والكتابة الوجدانية التي تشهد من الداخل. وكلها معًا ترسم لوحة لذاكرة مدينة لا تريد أن تُنسى، ولا أن يتحول موتها الكبير إلى مجرد خبر قديم في أرشيف الصحف.