د.علي المبروك أبوقرين
تحول خطير في فلسفة الرعاية الصحية في بلادنا ، وإنزلقت الصحة إلى مستنقع التسليع والبيع والشراء في سوق الاستثمار في المرض ، وأُفرِغت المهنة الإنسانية النبيلة من قيمتها الأخلاقية ، وسُلب منها الحق الإنساني والاجتماعي ، وضُربت العدالة الصحية والاجتماعية في مقتل ، وأُثقل كاهل المجتمع ماليا ونفسيا ، وزادت الأمراض المعدية والمزمنة ، وتدنت الخدمات ، وتراجعت المؤشرات الصحية ، مع الإهمال الكلي للطب الاستباقي والتنبؤي والوقائي والرعاية الصحية الاولية ، وإنهارت الثقة في الخدمات الصحية ، واختفت القيم الإنسانية والرحمة والضمير أمام منطق التجارة والأرباح ، وتحول المفهوم من الصحة كحق إنساني مجاني أو برسوم رمزية إلى الصحة بزنس باهظ التكاليف بلا مردود على المرضى ، والمريض فرصة والصحة تقاس بالمباني والتجهيزات والإعلانات والدعاية الكذابة ( البروباقندا ) ، ويقاس الاستثمار فيها على حساب الإنسان وليس لصالحه ، والمرض يصبح مورداً مالياً مهماً ، والشفاء تهديدًا للقطاع الصحي التجاري العشوائي الغير منضبط والغير منظم ، والقائم على القطاع الصحي العام ، والمال العام ، والقوى العاملة الصحية العامة ، والمريض المكفول ، وأصبحت المؤسسات الصحية العامة مشلوله ، والخدمات مفقودة ، والكفاءات غائبة ، وتحولت لمصدر إقناع وتبرير للخصخصة والنهب والتأجير ، وتكونت أجسام صحية موازية أفرغت الأصل من صلاحياته ، وتستنزف أموال طائلة في اللا شئ ، والواقع الصحي متدهور والقطاع الصحي مأزوم ، يدار كغيره بعقلية الريع والغنيمة ، والتفكيك والتركيب ، والسطو المؤسسي على حقوق الناس في الصحة والتعليم الطبي والصحي ، وهدر للثروات على شبكات المصالح في نظام صحي مفكك ، وتعليم طبي سيئ ، وتدريب سريري معدوم ، وكفاءات مهاجرة أو مهمشة ، وطب وقائي ميت ، ونظام علاجي يحتضر ، ومع الإنهيار الشامل ترتفع معدلات إنتشار الأمراض المعدية والمزمنة ، وتزداد نسب المضاعفات والوفيات ، واللجوء للهجرة العلاجية ، وتستنزف موارد الناس والدولة في العلاج في الداخل والخارج ، وتزدهر أسواق التأمين الصحي والسمسرة الطبية ، وتتسع الفجوة الطبقية وصحة الأغنياء مقابل موت الفقراء ، والتعليم الطبي في أسواء حالاته ، شركات ووكالات وهيئات ومسميات محلية وعربية وافريقية ودولية وكل شئ متاح ومباح مع توفر المال والعملة لا قيمة لصحة وكرامة الأمة ، ولذلك نحن في حالة صناعة المرض والجهل ، وتحويل الإنسان إلى سلعة ، والمرض إلى فرصة ربح وثراء من جيوب الفقراء ، وبالضرورة حماية الصحة من الانزلاق في هذا المستنقع الرديء ، وحماية النظام الصحي الليبي العام وتقويته ببنية سيادية عادلة ، وتوفير الخدمات الصحية العالية الجودة لجميع الناس ، وحظر إزدواجية المصالح ، وتعزيز أخلاقيات المهنة ، وترسيخ الوعي الصحي المجتمعي ، وتجميد التوسع العشوائي للخاص إلى حين التنظيم القانوني والإداري والفني ، ووضع المعايير التي تنظم العمل الصحي الخاص ، ومراجعة وإعتماد بروتوكولات ومرجعيات ومعايير ونتائج ومؤشرات الاداء لكل مؤسسة صحية وتعليمية للطب والتمريض ، إن الأزمة الصحية يترتب عليها أزمات خطيرة ومعقدة ، ولا يصلحها تأمين صحي يزيد في الإفساد ، ولا تأجير المستشفيات والمراكز الطبية والمعاهد للسماسرة ، ولا اللجوء لمن نملك ما يملكون من مال ولا يملكون ما نملك من رجال ،
الصحة ليست سوقا للربح بل رسالة للرحمة ، وحين تصبح تجارة يموت الضمير وتنهك الشعوب .