سالم العالم
اسم مثير لرواية مثيرة ولعل إثارة هذه الرواية تنبع من كونها سيرة ذاتية ومذكرات شخصية لكاتبتها ( كريستين دوفييه – جونكور) التي أهدت روايتها إلى والديها وأبنائها ثم قدمت لروايتها بالتالي : “كان المراد في خريف عام 1997 الإيقاع بعاهرة الجمهورية كما قيل لي : فامام من مِن الشهود جري هذا الحديث ؟ ومن تفوه به ؟ … لا يزال لغزا …
مهما يكن فإنني مدينة بعنوان هذا الكتاب لأحد ما . أريد أن أضطلع بهذه التسمية رغم معارضة أهلي وحزنهم .
إن كانت محكمة وسائل الإعلام قد شدت إلى ( عامود التشهير ) وثاق صورة مشوهة لامرأة لا أمت لها بصلة, فإنني اليوم وللمرة الأولى أتوجه بكتابي هذا إلى محكمة الرأي العام “.
الكتاب صدر في طبعته العربية الأولى عام 2007 عن دار الحوار بسوريا وعن ترجمة للأستاذ ( بشير باش إمام ) وفي 205 صفحة من الحجم المتوسط .
الرواية تروي قصة بطلتها الكاتبة ( كريستين دوفييه – جونكور ) التي تربطها علاقة صداقة قوية بوزير خارجية فرنسا في عهد الرئيس الفرنسي ( فرنسوا ميتران ) وهو( رولان دوما ) حيث قام زوجها بدفعها للعمل في شركة كبرى من شركات البترول ( شركة ألف – كيتين) كمنسقة للعلاقات بين الشركة ووزارة الخارجية الفرنسية التي يتولاها صديقها ( رولان دوما) حيث قامت الشركة باستغلال صداقتها بالوزير لتمرير صفقاتها لدى الوزارة لينتهي بها الأمر في الحبس الاحتياطي متهمة بعدة تهم ( سلب أموال – رواتب وهمية – استغلال المصلحة العامة – تكتم – تواطؤ – محاولة نصب واحتيال ) ورغم أن هذه القضية قد تورط فيها أربعة وأربعون رجلا لكن لم يسجن منهم سوى الكاتبة لكونها امرأة لذلك فإن الرواية تفضح أول ما تفضح التمييز الجنساني في فرنسا تقول الكاتبة في ص 72 (( كان لدي – ومازلت – اليقين بأنها معركة امراة عوقبت لأنها أرادت استرجاع حريتها , أن تغير قدرها , أن تناضل دون أن تعرف جيدا القواعد وبسلاح غير متكافئ , أظهرت أسلحتي عدم جدواها في معركة الأسود )) . وتعود في ص 162 (( هل كان هذا ليحدث لو إنني لم أشغل منصبا “للرجل و المرأة التي تنجحي هذا العالم ليست نقية ….. ثم تضيف : وجود امرأة في وسط يكره النساء مزعج )) .
كما تسلك الكاتبة في روايتها الضوء على معاناة السجناء في السجون الفرنسية على الصعيدين الجسدي والنفسي و الإنساني (( توقف النحيب في حلقي , بعثروا رسائل الأصدقاء . هنا تغتصب كل حميمية صغيرة وضرورية وحيوية لكل كائن بشري ، من الصعب قضاء الحاجات الشخصية أمام الآخرين . في زنزانات فرنسا بلد حقوق الإنسان يجب إيجاد اللحظة المناسبة بين جولتين للحرس ونوم شريكة الزنزانة, أملا الاسترخاء على كرسي المرحاض ، وعيناك متسمرتان على عين الباب السحرية . أصبح التفكير والذاكرة من النفائس , فهما كل ما تبقى لنا ولا أحد يستطيع أن يحتجزهما أو يفتشهما )) . وبهذا أوضحت لنا الكاتبة حجم الظلم الذي تتعرض له المرأة من قبل الرجل في المجتمع الفرنسي – مجتمع العدل والإخاء والمساواة – خاصة عندما تطغى المصالح الشخصية على روح الإنسان . تقول “كريستين : (( يتسرب الماء إلى القارب , يتركه الرجال . يجدون امرأة يسجنونها في قعر المركب لتغرق وحدها )) ص 130 .
ولا يقتصر الأمر فقط على ظلم الرجال للنساء بل إن الكاتبة تفضح لنا فساد ذوي المال والنفوذ والسلطة ولعبهم بمصائر البشر وتسخير الحكومات لغرض خدمة مصالح شركات كبرى واستغلال النفوذ والسلطة التحقيق منافع شخصية – يبدو أن هذه الأمراض ليست حكرا على دول العالم الثالث – تقول الكاتبة)) : أدركت أن سلطة المال لهؤلاء الرجال ما هي إلا لعبة يحرصون عليها كثيرا وتنسيهم كل شيء . كانت سياسة الأرض المحروقة هي المطبقة على الصعيد العائلي . كنت أرى من حولى رجالا بينهم القليل من الآباء المسئولين . يسمح رجال السلطة لأنفسهم بالكثير من الضعف . صحيح إن هذا عام منفصل . إنه عام وحشي . رجال السلطة مشغولون دائما . عندما يخرجون من بيتك لا تعرف أين يذهبون : إلى عشاء ؟ إلى القصر الجمهوري ؟ إلى زوجاتهم أم إلى عشيقاتهم ؟ إنهم رجال يتكلمون قليلا ولا يمكن الإمساك بهم . يملصون أكثر من غيرهم . اعتادوا على الحفاظ على أقوالهم وليس على وعودهم . إنه عالم القوة والضعف …. فهؤلاء الرجال غير قادرين على الابتكار وما السلطة إلا تعويض عن شعورهم بالنقص )) ص 173.
ومثلما يحدث في أغلب المجتمعات الغربية المفككة اجتماعيا والمتردية إنسانيا لعب الإعلام دور الصياد في الماء العكر أو القراد التي يقتات على دماء الآخرين وآلامهم (( كانت الصورة ملتقطة بعدسة مقربة . كان وجهي مكبرا مائة مرة , يبدو ملطخا , مشوها كوجه مجرم حقيقي ، وكتبت الصحف : هل كانت دمية أم العقل المدبر؟ … صديقة الوزير السابق ؟ تسمرت مندهشة أمام الشاشة الصغيرة ..
ماذا فعلت هناك ؟ ” الوزير السابق … صديقته ” كل شيء كان يتدافع في رأسي , وانهرت على سريري , لقد استولت على وسائل الإعلام ، وراحوا يشكلون ويكونون شخصيتي كلعبة الصور المركبة فيلصقون صورة هنا وإشاعة هناك وخبر غير أكيد في مكان أبعد … لقد شهروا بي وفضحوني . سددت جميع المنافذ : قطن في أذني . وقميص على عيني . أردت أن أختفي ، ولو أستطاع قلبي أن يتوقف ع الخفقان … إلى أين يأخذونني ؟)) ص38 .
وفي مقطع أخر (( أشعلت أخبار التلفزيون والإذاعة والصحف الفتيل ز كل شيء ينفجر… “كريستين – جونكور في الصفحات الأولى” ” المرأة التي جعلت الدولة ترتجف ” ص49 .
وتضيف بمرارة ((ما يحز في قلبك كثيرا هو المشاعر الحساسة والمخلصة جدا التي تلصلصث عليها وسائل الإعلام . من لم يعرف هذا الاغتصاب لا يمكنه أن يفهم )) ص151 .
وكما جاء في تعليق الناشر فإن (( هذه السيرة التي كتبتها ” کريستين دوفييه – جونكور” في قالب روائي بالغ التشويق والإثارة وبالغ الأهمية أيضا بما يفضح من كبار المسئولين والوزراء ورجال الأعمال . لقد ذاقت عاهرة الجمهورية عذابات السجن والتحقيق فكان أن كتبت هذا الذي يبدو أغرب من الخيال , لكأن الكتابة حقا نداء الحرية والحقيقة )) .