نقوش
بقلم /منصور ابوشناف
أحس بالصهد الليبي ، (بالليبيتشيو) وهو يجلس متكئا على حوض الغزالة وقد توقفت نافورتها عن رش الجسدين المتسمرين بالماء على غير العادة منذ نصف قرن وسمع لاول مرة أنات الحورية وهي تلتهب ويحرقها جفاف (الليبيتشيو) ثم عصفت رياح ابريل ، “اقسى الشهور” فعوى عاليا وعاد الى الميدان ورغم الزحام والضجيج سمع صهيل خيول نافورة ميدان الشهداء وراها تشبو حقا متحدية ومستعدة للقتال “كانت خيول الفاتحين وكما ظلت دائما تتدفق عبر شارع عمرو بن العاص لتصل الى نافورة الخيول بميدان الشهداء وظلت السيول تتدفق عبر شارع الوادي “ الاسم الشعبي لشارع عمرو بن العاص” لتغمر ميدان الشهداء و نافورة خيولة وظلت جموع الهاجين تتدفق من الصحراء يطاردها العطش باتجاه الميناء .
انتصب امام نافورة الغزالة والحسناء وطرق بقوة على فخذ الحسناء فوجده مجوفا فارغا واحس بفراغ داخله رجل اجوف فعوى مهتاجا عله يملأ جوفه الفارغ .
“ لا ادري انا كاتب هذه الاليجوريا” لماذا اقع طائعا في هذا الفصل تحت وطأة “ المعري” الاوروبي “ ت س اليوت” وارضه الخراب ؟.
كان القذافي والكلمات تتدفق من فمه يطلق عقال براري من الرمل والطين والغزلان والذئاب والضباع والنسور يهشم صلصال الغزالة وسدود السيول واسوار لبدة الكبرى يفتح الطريق لجيوش الجرمنت لتدخل المدن والدوائر الحكومية والمكتبات والمسارح يغطي زحفها غبار “الليبيتشيو” كان يقود معركة الاسترداد متقدما “نحو طرابلس” .
وكان بطلنا وحيدا امام تمثال الغزالة والحسناء يلف على اربع مهتاجا اثر صراخ القذافي والجموع وتستبد به رغبة للعواء هو لايعرف ان كان مبتهجا ام غاضبا ولكن به رغبة للعواء عاليا وبشراسة فعوى مرة ومرتين واحس براحة اثر ذلك ولكن تلك الراحة تحولت الى احساس بالفراغ لكنه كان مملوؤا بالهواء وتدفق من جوفه كل ماكان يملؤه فعب من الهواء المغبر ما استطاع وسمعها تهمس له “مابك؟” كان همسها يتحول شيئا فشيئا الى صفير ريح صحراوي جاف كان به رنين فخذ الحسناء المجوف والتفت الى رأس الحسناء حيث كان وجه “السنيورة” وتحسس زغب ذراعيها الذي راه متوردا في شوارع لبدة الكبرى يوما ما ، كان يجف وود لوكان بامكانه ان يبلله بلسانه فوجد لسانه جافا ويتدلى لاهثا ككلب اصيل .
“ابريل اقسى الشهور” وكان كل ذلك في ابريل عام 1973م وكانت ليبيا حقا تتحول كان فرن الليبيتشيو يتقد وكانت سيارات الامن قد بدأت تتحرك في ارجاء البلاد كان رؤساء فرق القبض يعيدون قراءة قوائم المطلوبين ليحددوا عنوان كل واحد منهم بعضهم يعرف المطلوبين وعناوينهم دونما حاجة لتلك القوائم فغالبها قديم وموروث من قوائم امن المملكة تقريبا نفس المطلوبين عام 1967م ربما اضيف لها بعض الاسماء الجديدة ولكنها تقريبا نفسها .
القوائم الجديدة والغريبة كانت قوائم مطلوبين غريبين لم يعرفهم الامن الليبي من قبل وكل من فيها كان مطلوبا ليس للاعتقال وانما للحرق في محارق علنية وسط ساحات وميادين المدن المطلوبون للحرق كانوا كتبا نعم كتبا من ورق وحبر كتب ماركس وفرويد وداروين ، غالبية ماانتج الاوروبيون من كتب وايضا كتب الاحزاب الاسلامية والقومية والاشتراكية والشيوعية التي كتبها عرب ومسلمون .
كان على الامن ان ينقض على المكتبات ليطهرها “كما يقول الراديو والتلفزيون” من الكتب الصفراء والفكر الرجعي العميل .كانت “الثورة الثقافية” كما اسماها القذافي والتلفزيون تجتاح البلاد كلها فهاجمت الجماهير كما ظهر على التلفزيون بيوت بعض “المرضى” .
فصل من روايتي «لكلب الذهبي