منصة الصباح
احلام محمد الكميشي

التصالح مع التاريخ.. بوابة الدخول للمستقبل

في زمن تصنع الشعوب فيه مستقبلها بخطط واستراتيجيات واضحة، ما زلنا في ليبيا نعيش ردود الفعل، لا الفعل، ننتظر التغيير فقط لأننا مللنا الواقع ويئسنا من كذب الإصلاح، متجاهلين أن غياب الخطة الاستراتيجية الواضحة المعالم والأهداف، ضمن إطار زمني يستوعب حجم المخاطرة ويستحضر المكانة المحلية والإقليمية والدولية، سيجعلنا مجرد أدوات في صناعة مستقبل الآخرين، وعلى حسابنا، وسنظل ندفع فواتير الحرب والجوع والتضخم، ويكبر الرفض في أعماقنا ككرة ثلج، قد تفلح صلابتها في كسر قيودنا، وربما تذوب على عتبات الزمن.

هذه البلاد، التي تتنازع مناطقها ظروف تاريخية مختلفة وأنظمة حكم متباينة، ما زالت تنادي عند كل مفترق طرق بعبارة “ارحل”، دون تخطيط لما بعد الرحيل، بلاد تقضي وقتها في خصومة مع التاريخ، وتكافح للعيش في المستقبل بلا آلية واضحة للشكل والمضمون، يصرّ الفاعلون فيها على الإقصاء وعدم تقبل الآخر المختلف عنهم في العقلية أو المظهر أو القبيلة أو المدينة، وفي زحمة تفضيل الولاءات، تُقصى الكفاءات، ويُبدّل كثيرون مواقفهم واصطفافاتهم وفق مبدأ المصلحة الشخصية، انطلاقًا من الحاضنة الاجتماعية الخاصة، للهيمنة على الاقتصاد والسياسة والثقافة، دون استعداد لتحمّل كلفة هذا النفوذ، سوى من مغارة الخزانة العامة وعلى حساب الوطن.

في كل بلاد العالم نرى في مدينة واحدة آثار الحقب كلها تتعايش، وتشارك في الحاضر دون أن ينكرها أو يطمسها، ونحن ماذا لدينا وماذا أبقينا؟ كل عهد يدفن ما قبله ويعلن البدء من خانة الصفر معنونًا كل نشاطاته بوسم (الأول) مع أن الحياة لم تتوقف في البلد منذ ما قبل التاريخ، كل نظام يدق أوتاده على الأشلاء وينسف ما قبله ولا يستثني حتى حلفاء الأمس. عند متابعة التجارب الفنية والثقافية للشعوب نجد قادة كل المراحل يتم نقدهم بجرأة، ولكن يُتركون في مكانهم، صورهم مرفوعة لا مقلوبة، متاحفهم تروي كل شيء بحيادية علمية تساهم في تربية الوجدان وصقل مفهوم الهوية، هذا التصالح مع التاريخ ومع الآخر هو ما نفتقده، وهو الركيزة الأساسية لإصلاح اعوجاج الحاضر ومداواة جراح العزلة والوهم وبناء مستقبل احترم الماضي، استفاد من كل الحاضر، وضمن عدم الزوال تحت أقدام الكبار.

أحلام محمد الكميشي

شاهد أيضاً

عبدالسلام الغرياني

“محمد الأخضر حامينا” و”فرانز فانون”: سينما الثورة وفلسفة التحرّر

عبدالسلام الغرياني رحل المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا اليوم 23 مايو 2025، تاركًا خلفه إرثًا …