منصة الصباح

طرابلس على صفيح ساخن.. ثنائية الحليف والعدو

شكّل مقتل “عبد الغني الككلي” حدثًا مفصليًا وبداية انهيار شبكة علاقات جمعت بين السلطة السياسية وبعض الكيانات المسلحة والأمنية، وخلال ساعات من الحادثة، أعلنت الحكومة سيطرتها على كامل مقرات (جهاز دعم الاستقرار) لكن الفوضى اجتاحت أحياء أبوسليم والهضبة والدريبي، وتعرّضت البيوت والأرزاق لعمليات سلب ونهب واسعة، في مشهد أطلق موجة ذعر بين المدنيين، ولم يُسهم نجاح الجهات الأمنية في القبض على بعض السارقين واستعادة بعض المسروقات في بعث الطمأنينة المفقودة في قلوب الناس من جديد.

وفي اليوم التالي أصدرت الحكومة سلسلة قرارات وصفها البعض بالانتقائية، مستهدفة تفكيك وإعادة تصنيف تشكيلات أمنية قائمة، فحلّت بعض الأجهزة ودمجت أخرى، حتى تلك التي لا تزال رسميًا تابعة للمجلس الرئاسي وتتلقى تمويلها من الميزانية العامة، وأعلن رئيس الحكومة في اجتماع أمني أن جميع المعسكرات والمنشآت العسكرية في البلاد يجب أن تخضع حصريًا لوزارة الدفاع والجيش الليبي.

وتحت وقع الصدمة الناجمة عن توقيت وأسلوب وتداعيات عملية (معسكر التكبالي) ومع انتشار صور وفيديوهات فوضى تلك الليلة، التفّ الناس حول “جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة” ما بين مؤيد أو خائف من تداعيات الفراغ الأمني المحتمل بعد تحييده، كما أعلنت مجموعات مسلحة من خارج طرابلس استعدادها للتدخل تحسبًا لما هو أسوأ، وخرجت الجموع من قمقم الخوف إلى الشوارع، فيما اندلعت اشتباكات بين القوات المنقسمة من حيث التبعية بين الحكومة والمجلس الرئاسي مستخدمة الأسلحة المتوسطة والثقيلة، ووجد المدنيون أنفسهم دروعًا بشرية ثابتة ومتحركة تنتظر المجهول، وسقط عدد من الضحايا وعاشت العاصمة ساعات طويلة من الرعب تحت القصف، وعلى إثر ذلك قرر الرئاسي وقف إطلاق النار وإلزام جميع الوحدات العسكرية بالعودة إلى مقارها، وتجميد قرارات الحكومة سالفة الذكر، وتشكيل لجنة تقصي حقائق وحصر الأضرار ومساعدة المتضررين، وتم عقد هدنة وصفتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الخميس، بـ(الهشة) دون ذكر الأسباب لكنها وعدت بإطلاق آلية خلال أيام لاستدامتها، وأمام مجلس الأمن الدولي أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في اليوم التالي عن تلقي المحكمة الموافقة على ممارسة اختصاصاتها للتحقيق في الأحداث التي شهدتها ليبيا خلال الفترة من العام 2011 حتى 2027م.

شعور سرى بين الناس مفاده أن تضارب المصالح كان السبب وراء انهيار زواج السلطة والسلاح والذي دام لسنوات، وفجّر موجة غضب دفعتهم عشوائيًا إلى ميدان الشهداء مساء الجمعة والسبت، حاملين رسالة واضحة: لا لحكم السلاح، لا لتمديد الأجسام السياسية، نعم للدستور والانتخابات، في مشهد بدا وكأنه إعلان طلاقٍ بات بين إرادة الشعب ومنظومة المراوغة السياسية التي طالت أكثر مما يجب بسبب التدخلات الخارجية والمحاصصة الجهوية الداخلية.

ورغم إعلان بعض الوزراء والوكلاء استقالاتهم بزعم الانضمام لمطالب الشعب يظل السؤال: هل سيتمكن حراك شعبي عفوي من المحافظة على نقائه، وقوة عزمه، ووضوح أهدافه؟ والمضي قدمًا حتى تحقيق مطالبه؟

أحلام محمد الكميشي

شاهد أيضاً

هاشم شليق

محطة…سيكولوجية الحشود الرقمية

هاشم شليق اشتهر غوستاف لوبون بكتاب سيكولوجيةالجماهير..الذي صدر عام 1895 وكان قد مضى آنذاك أكثر …