بقلم / ياسين محمد
الحديث عن النخبة اليوم يستدعي بالضرورة الحديث عن الفئة أو الطبقة المتعلمة وبما أن لكل مجموعة اجتماعية كما يقول غرامشي جماعة المثقفين الخاصة بها، فانا اقصد نخبة الطبقة المتعلمة التي يحتويها فضاء الجامعة والتي من المفترض أن تكون المصب الأخير الذي يحتوي كافة تناقضات الحاضنة الاجتماعية للأفراد والجماعات واقصد بها الدولة الوطنية وهذه الروافد تشكلها النخب الأخرى لرجال الإعلام والصحافة والنقابات والقانون وغيرها من خارج إطار الجامعة ولا أريد الإطالة في هذا الشأن فهو أمر معروف ولا يحتاج إلي زيادة إيضاح.
.في صيحته بعنوان ( الجامعة تجهر بالحقيقة )يعترف دريدا بأن الجهر بكل ماهو حقيقي من داخل الجامعة ( لم تقم له قائمة ولم يحترم أبدا) إلا انه يلح ويقول :
( ومع ذلك فأنا ألح علي وجوب أن تكون فكرة هذا الفضاء الأكاديمي محمية رمزيا بنوع من الحصانة المطلقة )
إلا أننا اليوم لا نجد شيئا مما يتحدث عنه دريدا ،جل ما نجده هو مجرد قبول طوعي لمسلمات خارجية تهيمن وتسيطر علي الخطاب النقدي داخل الجامعة إذا فمن الطبيعي اليوم توجيه تساؤلاتنا ونقدنا لهذه الجامعة أو بالأحرى إلى نخبتها المتعالية والرافضة لكل خطاب خارج مفرداتها الجامعية المهترئة وخارج أسوار تعريفاتها لهذه النخبة
وأمام هذا الكلمات لا املك إلا أن اطرح بعض التساؤلات الأخرى فأقول :
هل الجامعة اليوم كيان مستقل ويمتلك الحصانة الرمزية ؟ أو بصيغة أخرى هل هي موجودة اليوم كجامعة بدون قيد أو شرط ؟
هل نملك اليوم مؤسسة جامعية تجهر بالعقيدة البحثية وتعبر عن ذلك علانية؟
هل ما تتعرض له الجامعة ونخبتها اليوم من تخبط هو نتيجة تلك الاستقلالية وهل هذا هو ما يجعلها قابلة للاستسلام والخضوع بدون شرط ؟ الجواب بالتأكيد سيكون بالنفي،
لدينا اليوم نخبة جامعية تنقسم الى قسمين قسم تمثل الفكر الغربي المادي الاستهلاكي العلمي دون فهم لمرجعياته وقواعده وهو يخشى اليوم الجهر بهذه العقيدة الفكرية كما يسميها دريدا وقسم آخر يمثل حالة النكوص العكسي بالعودة إلى الفكرة المسبقة الأولية المحلية كمرجعية وكلاهما يمثل شكلا من أشكال فشل النخبة .
والنتيجة باختصار شديد اليوم هزيمة المجموعة الليبرالية أمام المجموعة المؤدلجة ولا مناص اليوم من الاعتراف باضمحلال الجذر الرياضي العلمي وتراجعه أمام توسع وامتداد الجذر الديني هذه النخبة ( الليبرالية )لا تستطيع اليوم أن تخلص عرينها ( الجامعة) من الإيديولوجية الجاثمة على رأسها بل وحتى لا تستطيع أن ترتقي بها إلى مستوى التخلص من التجاذبات السياسية ، هذه النخبة هي ذاتها التي تنتشي اليوم بدون تواضع بذاك التعالي على الكل الاجتماعي بامتلاكها سطوة المعرفة متجاهلة عجزها حتى عن صياغة خطاب ايجابي اليوم ليس اقله اقناع الناس بالالتفاف حول المؤسسة ( الجامعة ) , باختصار مجموعة فشلت في الخروج من مهنة الأستاذ أو المدرس إلى مهنة المفكر أو المثقف الذي يحرر الفكر من المهنة باعتبار الجامعة منتج للمعنى منتج للفكرة لتقدمها جاهزة إلى جمهورها داخل وخارج الجامعة او كما يقول الجابري مستشهدا ومقتبسا من قول دي لايبيرا : ( تحرر الفلسفة من المهنة « مهنة الأستاذية بين جدران الجامعات « هي العلامة التي تشير إلى اللحظة الحقيقية لميلاد المثقفين وبالتالي تنظيم تعليم قادر على أن يجلب إليه جمهورا من المستمعين من خارج الجامعة )
مجموعة فشلت في بث الفكر النقدي (هذا في حال كانت تعلم أن هذا أحد أهدافها) فشلت في إرباك الأداء الإيديولوجي الخصم داخل الجامعة بل أن الكارثة هي مشاهدة ذلك الاصطفاف النخبوي اللامفهوم وراء الجدار المؤدلج لصد كل نقد حداثي ومعرفي باعتبار الجامعة مؤسسة لترويج الفكر النقدي بين مكونات الجامعة وكان من المفترض ان تؤسس القاعدة المثقفة وترفع مستوى الوعي بداخلها .
انه من المؤسف اليوم مشاهدة النخبوي الجامعي وهو يعمل على هدم تلك اللبنة الطرية بمعوله المعرفي المشوه الممهور بأختام جامعات الغرب وتحت هذا الغطاء لنخبة مُعادة التصنيع والتدوير السيئ تمارس ذلك الهدم بإنتاج خريج جامعي صالح فقط لقيادة السيارات ذاتية الحركة نحن اليوم أمام نخبة ( نجحت ) مجازا في إدارة الشأن الطلابي بأقل الأضرار الممكنة لأعداد هائلة من الجامعيين وكان أيضا من ابرز نجاحاتها إصابتنا بالتخمة الأكاديمية لأصحاب الشهادات العليا من فئة المدرسين والأساتذة نخبة فشلت في إدارة عجلة المجموعة الوطنية وأخذ زمام المبادرة وتكوين جمهور من المستمعين من خارج الجامعة نخبة فشلت في الولوج إلى الشأن العام وكان من أهم منجزاتها عدم التفريق اليوم بين خطاب الشارع والخطاب داخل أروقة الجامعة نخبة تخاذلت في وجه الحراك اللا سلمي.
بينما اصمت آذاننا بخطابها المؤدلج وبطولاته الدون كيشوتية ، نخبة سقطت في فخ الموروث النفسي لحقبة طويلة من الاتجاه الواحد وسمحت لتيارات مخالفة بقيادتها إلى ما تعلم وما لا تعلم ، نخبة غير قادرة حتى على طرح وحل مشاكلها الداخلية نخبة قد يشكل تخاذلها وتساقطها غير المعلن اليوم صرخة مدوية وكارثية في المستقبل القريب
والسؤال الأخير الذي أطرحه اليوم : ما هو مستقبل الجامعة ؟