بقلم / هيثم الدغري
تُعتبر التعاقدات الإدارية الركيزة الأساسية في مختلف المشاريع حيث يساعد وجود آلية تعاقدية مبنية على أُسس سليمة في انجاز المشاريع بالصورة المطلوبة، فالهدف الأساسي للتعاقدات الإدارية هو وضع القواعد التعاقدية وتقويم الأعمال المتعلقة بها وفقاً لهذه القواعد، الأمر الذي من شأنه العمل على انجاز المشاريع ضمن المُدة المُحددة والكُلفة المُقدرة والجودة المطلوبة والابتعاد قدر الإمكان عن الخلافات بين إطراف التعاقد.
وفى ذات الوقت نجد ان الجهة الحكومية (س) اذا لم تصبح ثلاث جهات (س1، وس2، وس3) فهي من المؤكد صارت جهتين (س1، وس2) في ظل الوضع المؤسف الذي نعيشه وبالتالي ضعف موقفها التفاوضي وتدنى أدائها، مما يفرض العمل على معالجة البيئة التعاقدية بما يساعد في تصحيح الوضع القائم والعمل على تقليل الخسائر وتخفيض الهدر في المال العام نتيجة توقف تنفيذ المشاريع ومطالبات التعويض التي تواجهها وستواجهها الدولة من أدوات التنفيذ.
أيضا من تلك الأسباب صدور عدد من التشريعات ذات العلاقة بآلية التعاقد الإداري ومنها صدور القانون رقم (19) لسنة 2013م عن المؤتمر الوطني العام في شان إعادة تنظيم ديوان المحاسبة، وتعديلاته ولائحته التنفيذية، وصدور القانون رقم (20) لسنة 2013م عن المؤتمر الوطني العام في شان إنشاء هيئة الرقابة الإدارية، وصدور القانون رقم (11) لسنة 2014م بشأن إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وصدور القانون رقم (59) لسنة 2012م عن المؤتمر الوطني العام بشأن نظام الإدارة المحلية، ولائحته التنفيذية، وصدور القانون رقم (5) لسنة 2010م بشأن تشجيع استثمار رؤؤس الأموال الأجنبية ولائحته التنفيذية، وغيرها من التشريعات، مما يعنى ان البيئة التشريعية القائمة اليوم مختلفة تماماً عن البيئة التشريعية التي كانت سنة 2007 والتي وفقا لها تم وضع لائحة التعاقدات.
هذا بالإضافة إلى قيام الدولة الليبية بإبرام عدد من اتفاقيات التعاون المشترك مع عديد من الدول تضمنت بعض هذه الاتفاقيات بنود تتعلق باليات تنفيذ المشاريع ونصت على تقديم تسهيلات لشركات تلك الدول، مما يستوجب إيجاد بعض المعالجات للإجراءات المُنظمة للتعاقدات الإدارية، كما ايضا أن اللائحة صدرت سنة 2007م يعنى منذ أكثر من عشر سنوات وهذه المُدة الطويلة في حد ذاتها دافع لإجراء تقويم لأحكام اللائحة للوقوف على مدى قدرتها على الإيفاء بالمطلوب منها والعمل على تطويرها، فمن بديهيات الإدارة العمل على التحسين المستمر لأداء العمليات والوظائف بمختلف أنواعها.
أيضاً من الأسباب الدافعة للقيام بعملية تقويم وتطوير لآلية التعاقد الإداري بعض الإجراءات الحكومية ذات العلاقة ومنها إصدار اللجنة الشعبية العامة القرار رقم (539) لسنة 2009م بتشكيل لجنة لمُراجعة لائحة العقود الإدارية، حيث قطعت اللجنة شوطا كبير في هذا المسار وأعدت مسودة التقرير النهائي لعمله ويمكن التواصل مع أعضاء هذه اللجنة بالخصوص، كما أصدر مجلس الوزراء بالحكومة الليبية المؤقتة القرار رقم (187) لسنة 2013م بشأن دراسة وإعداد مشروع قرار بإنشاء لجنة العطاءات المركزية، وقد أنهت هذه اللجنة عملها وقامت بتقديم تقرير نهائي عن عملها لكن مجلس الوزراء لم يتخذ أي إجراء بالخصوص، بل حتى أن المجلس الرئاسي لم يُمر إليها في قراره بشأن تشكيل اللجنة المركزية للعطاءات، وأيضا أصدر مجلس الوزراء بالحكومة الليبية المؤقتة القرار رقم (861) لسنة 2013م بشأن تشكيل لجنة وتحديد مهامها برئاسة وزير الإسكان والمرافق، وعضوية وزراء التخطيط والمالية والمواصلات والصحة والتي كان من ضمن المهام الموكلة إليها دراسة لائحة العقود الإدارية واقتراح تعديلها، هذا بالإضافة إلى عديد المُذكرات التي قدمتها أدوات التنفيذ التي تستخدم اللائحة تطلب تعديلها ومنها مُذكرة مُشتركة مُقدمة للجنة الشعبية العامة من عدة جهات حكومية هي جهاز المُراجعة المالية، واللجنة الشعبية العامة للمرافق واللجنة الشعبية للتعليم، والمجلس الوطني للتطوير الاقتصادي، وجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، وقام مجلس التخطيط الوطني سنة 2012 بتحديد أهم الأعمال والمشروعات الإستراتيجية في برامج عمله ومن ضمنها مشروع تحت مُسمى «مراجعة الأسس والمعايير الوطنية للتفاوض والتعاقد»، والذي وضعه المجلس ضمن القائمة النهائية للمشروعات التي كان من المُفترض أن يتم تنفيذها ضمن المجموعة الرابعة وهى مجموعة الإسناد والدعم، حيث صدر عن اللجنة التسييرية لمجلس التخطيط الوطني القرار رقم (17) لسنة 2012م بشان تشكيل فريق عمل وتحديد مهامه، للقيام بإعداد مُقترح لمُراجعة الأسس والمعايير الوطنية للتفاوض والتعاقد في ظل الظروف والمتغيرات المستجدة، لكن لم تباشر هذه اللجنة عملها حتى تاريخ اليوم، إضافة إلى مُقترح مُقدم من هيئة المشروعات العامة، ومُقترح لإصدار جديد للائحة العقود الإدارية مُقدم من جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق، ومُقترح مُقدم من جهاز تنفيذ المشروعات بوزارة المواصلات، وتقرير مُقدم من المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي أعده المكتب الاستشاري الانجليزي اونست وينغ والذي اشتمل على إحدى عشر نشاطاً من بينها نشاط العقود والمشتريات كجزء من مشروع الإدارة الإستراتيجية للبرنامج التنموي،والذي تتضمن مُقترح بالتعديلات المطلوبة على لائحة العقود الإدارية واستحداث هيئة عطاءات حكومية، أيضا من المؤشرات التي تؤكد مدى الحاجة لتطوير آلية التعاقد الإداري قيام اثنين من المُرشحين السابقين لشغل منصب رئيس الوزراء بالحكومة الليبية وهما محمود جبريل وعوض البرعصي بالإعلان عن عزم كل منهما إنشاء جهاز مركزي للمناقصات في حال تقلد أي منهما منصب رئيس الحكومة حينها وذلك خلال العرض الذي تم تقديمه خلال جلسات استماع المؤتمر الوطني للمُرشحين سنة 2012م، كما بدأ على زيدان رئيس مجلس الوزراء السابق العمل على إطلاق برنامج عمل لتطوير لائحة العقود الإدارية إلا انه لم يُنفذ، كما قدم محمد الحراري عضو هيئة التدريس بكلية القانون بجامعة طرابلس إلى اللجنة الشعبية العامة للمرافق قراءة نقدية للائحة العقود الإدارية.
ولكل ما سبق ووفق هذا الطرح ولأجل استبيان مدى صلاحية آلية التعاقد الحالية في انجاز المشاريع بالصورة المطلوبة، والوقوف على مدى الحاجة لإجراء دراسة تهدف للبحث في مدى ملائمتها للغرض الذي استُحدثت من اجله وهو تسيير العملية التعاقدية على أحسن صورة وأكمل وجه، يُمكن للسادة في مجلس الوزراء ولغيرهم التواصل مع عدد من الجهات الحكومية أو الاطلاع على تقارير ومراسلات مُعدة من قبلهم ليتبين لهم مدى وجود حاجة بل وحاجة مُلحة للقيام بعملية تقويم وتطوير لآلية التعاقد الإداري في ليبيا.
لهذا ومن هذا المقام هذه دعوة مُلحة لكل الجهات ذات العلاقة لتقويم وتطوير آلية التعاقد الإداري في ليبيا مع التأكيد ان هذا العمل في حاجة إلى فريق متكامل متعدد المهارات والقدرات ومن مختلف التخصصات يمتزج فيه المُمارسون للعمل الحكومي التنفيذي بالمُتخصصين الأكاديميين.