الصباح/ حمزة جبودة
حين نبحث عن الأعمال الدرامية، فإننا نبحث ع ن ما نحتاج مشاهدته، والاستمتاع مع أحداث قصته ونحن ننتظر الحلقة الأخيرة لنبتسم بعد أن ينتصر البطل على “شرّير” العمل الدرامي.
ولكن مسلسل “البطل” الذي يحكي عن الوجع السوري بواقعية صادمة وواقعية، غيّر مفهومنا عن الدراما، لأننا شاهدنا مسلسلاً كل الذين شاركوا فيه أبطال، لا يوجد بينهم “كومبارس” واحد.
الجميع كان يناضل ويعمل لأجل المساعدة. وهذا بدأ بعد أن فتح “البطل الأول” الأستاذ يوسف- الفنان الكبير بسام كوسا- مدرسة القرية للنازحين، وتسابق أهل القرية لتقديم ما يلزم من أكل ومفرش لمن نزحوا من قُراهم بسبب الحرب.
في الأثناء، يظهر “البطل الثاني”- فرج الدشت- الفنان محمود نصر- الذي يرى في الأستاذ يوسف الوحيد الذي يعطف عليه ويساعده ويقف معه في كل أزماته. وفرج يرى فيه القدوة الذي لا يكسر له كلمة وكل حرف ينطق به يجب أن يُنفّد.
سأكتفي هنا بالحديث عن أحداث المسلسل، وأذهب إلى جوهر العمل الدرامي الذي أرى فيه أهم مسلسل سوري وعربي، وسيكون وثيقة درامية، كما وصفه مخرج العمل الليث حجو.
هل فرج الدشت شرّير؟
حين يُولد أحدهم في السجن، ويعيش فيه أولى سنوات طفولته، وكل هذا لأن أمه قتلت والده الذي كان منحرفًا وبسبب طيشه قررت التخلص من زوجها.
فرج حالة إنسانية حقيقية، وقربه من الأستاذ يوسف، عززت اعتزازه بنفسه على الرغم من نظرة القرية إليه. وقاوم كل أنواع الظلم من الشتائم والهمز واللمز إلى معايرته بأنه وُلد في السجن وأمه مجرمة.
حاولت التعامل معه، على أساس أنه دور درامي، يجب أن انحاز إلى الخير ضد الشر، لكنني فشلت واكتشفت أنني في صفّ “فرج”، وفي نفس الوقت في صفّ “الأستاذ يوسف”.
فرج ارتكب أعمال غير قانونية لأجل المال، وصلت إلى استغلال حاجة الناس للسفر، في اختراع فكرة مفادها التنازل عن أراضيهم مقابل أن يعمل على تسفيرهم والتكفل لكل المصاريف.
فرج لم يختار طريق التهريب وبيع الحبوب المخذرة، وغيرها من الأعمال الإجرامية، بل أُجبر على هذا الطريق. لأسباب نفسية واجتماعية، لم يكن بسبب المال وحده.
وبعد أن نجح في بداية هذا الطريق، اكتشف أنه “البطل الثاني” الذي يلجأ إليه أهل القرية لحل مشاكلهم، خاصة بعد انسحاب تكتيكي للأستاذ يوسف من الظهور في القرية.
وعلى الرغم من قساوة الحياة على فرج، إلا أن جِذره الإنساني لم ينقطع، في عدة مشاهد خاصة تلك التي يُسجن فيها أي فرد من القرية، يسعى لأجل إطلاق سراحه، وقبلها اتصالاته مع “المعلّم” لإعفاء شباب القرية من الخدمة العسكرية.
طبعًا مع كل نجاح له في حل القضايا، يعيش فرج نشوة الفرح ممزوج بالهيبة له لأنه أصبح رقمًا صعبًا في القرية، وله اتصالاته، وهذه المميزات لا يملكها “البطل الأول” الذي أعلن أنه ضد كل ما يقوم به “البطل الثاني”، لأن الأستاذ يوسف مازال ينصح الناس بأن القانون هو الحل وأن الجميع سيكون بخير.
من هو البطل الحقيقي؟
عند متابعة المسلسل منذ بدايته إلى الحلقة الأخيرة، سنُلاحظ أن “البطلين”-الأستاذ يوسف، فرج- هما يُكمّلان بعضهما البعض، وفي بعض المشاهد نرى أن الاثنان لهما أهداف نبيلة، لكن طريقة الوصول والعمل تختلف، الطريقة التي يتبناها الأستاذ يوسف هي طريق القانون والالتزام والابتعاد عن أي أعمال مشبوهة ولو كانت ضرورية في وقتها.
بينما فرج هو “بطل مستجد” مندفع على الحياة وأخذ منها ما يستطيع لتعويض حرمانه من العيش الكريم والاحترام الاجتماعي الذي كان يفتقده.
الأستاذ يوسف، انسحب وابتعد عن أسرته، حين اكتشف السبب الحقيقي وراء زواج ابنته “الدكتورة مريم”- الفنانة نور علي، من “فرج الدشت”- الفنان محمود نصر. ولم يواجه المشكلة التي وقعت فيها ابنته.
ومن شاهد العمل سيُلاحظ فيها أن الأستاذ يوسف لم ينسحب عن أي مشكلة مهما كانت في قريته وكان يسعى لحلّها، ومع ابنته اختار الانسحاب. ابنته الأقرب إليه في الفِكر.
هذا الانسحاب لم يصنع أي مشاكل إضافية لأسرته، بل على العكس، أنهى فرج أزمة الدكتورة بالزواج لأجل أن ينقذها من “كلام الناس”.
بعدها اكتشفنا طبعًا أن فرج هو من عرقل هروب الدكتورة إلى أوروبا، حين كانت تفكر في الهرب من “الفضيحة”.
هذا السلوك الذي قام به فرج كان مشبوهًا وعليه علامات استفهام، إن كان العمل الدرامي واضح المعالم كما عهِدنا في الحبكات الدرامية المكررة، لكن مع مسلسل “البطل” لن نتعب حين نسعى لفهم سلوك فرج.
وسنقول مثلاً، أن فرج قرّر التدخل لإنهاء أزمة الدكتورة وعلى حِساب زوجته وحبيبته “راما”، وهذا التدخل يُعزز أهميته في حياة أسرة الأستاذ يوسف.
ويُعطيه إحساس بأنه “البطل الحقيقي الجديد” بعد انسحاب “البطل الأول”. وكل هذا وأكثر شكّك الدكتورة في نوايا فرج من مساعدتها والوقوف معها بعد انسحاب والدها.
النهاية: ولادة بطل ونهاية نظام
ظهر الأستاذ يوسف بعد خروجه من السجن، في توقيت تاريخي، سقوط نظام بشار الأسد، وشاهد أسرته بعد سنوات في السجن، وكان ابن الدكتورة مريم “يوسف” مع الأسرة، ولأن الدكتورة تزوجت فرج فإن ابنها تم تسجيله باسم “يوسف فرج الدشت”، في مفارقة تعكس طبيعة الواقع في الحرب وبعدها، الحرب التي صنعت أبطالاً بأفكار متناقضة بعضها صمد للنهاية وبعضها الآخر اختار التقاعد من “بطولته” والاكتفاء ببعض الطمأنينة التي كانت مفقودة حين احتلّ الخراب قلوب الناس وجدران بيوتهم المتهالكة.