منصة الصباح

التطبيع بين السياسة والأيديولوجيا

أحلام محمد الكميشي

صار الحديث عن التطبيع كما لو أنه حجر يُرمى في مياه راكدة كل مرة لاختبار عمقها الذي قد يتغير بالزيادة أو النقصان بمرور السنين، واختبار لدراسة ردود الأفعال كمًا وكيفًا بغرض رسم السياسات الكفيلة بالتبخير والتجفيف حتى يتحول التطبيع مع الوقت لمجرد حلقة مفرغة بعد أن تفقد الفكرة قوتها وعنفوانها.

عندما اندلعت الثورة العربية في الريف الفلسطيني ثلاثينيات القرن الماضي لم تكن دولة إسرائيل قد وُلدت بعد، لكنها أعلنت قيامها في 1948م رغم كل التضحيات، وخطب “بن غوريون” يومها قائلًا: ((دولة إسرائيل هي مجرد مرحلة على طريق الحركة الصهيونية الكبرى التي تسعى إلى تحقيق ذاتها، بحيث لا تشكل هذه الدولة هدفًا في حد ذاته بل وسيلة إلى غاية نهائية))، ونحن أغفلنا الغاية النهائية ونسينا الصهيونية ووضعنا فقط تلك الدولة نصب أعيننا وفي حساباتنا بقناعة تامة أن الصراع عربي إسرائيلي وأن نهايته تحرير فلسطين، في حين أن صراعنا الحقيقي مع الصهيونية فالأول صراع حدود أما الآخر أخطر وهو صراع وجود.

كنا لعقود نلعب بعقلية مبنية على العاطفة والفردية أما هم فيلعبون بتكتيكات مختلفة ترتكز على التجريب ورمي الحجر ومواصلة التخطيط وحشد الدعم والحلفاء وتوسيع الرقعة الجغرافية والنفوذ وإنهاء الخصوم والتغلغل العسكري والاقتصادي والاستخباراتي خارج الحدود وتحويل التطبيع من مطلب لتكييف الدولة الهجينة في محيطها إلى جزرة تلوح بها نفس الدولة لبقية من تخلف عن ركب (كامب ديفيد) وأطال التأخر بقصد أو بدونه، وإذا استمرينا في طرح الأمر بنفس الطريقة التقليدية دون تجاوزها إلى ما هو أبعد، فإن التطبيع قد يصبح مجرد شعار فارغ، بعد تسطيح المفهوم وتحويله من فكرة أيديولوجية ونمط سلوكي إلى شعار سياسي يرتبط بأشخاص وأنظمة حكم ومرحلة زمنية وظروف معينة ليس إلا.

تحويل الموقف الأيديولوجي إلى أداة سياسية بلا هدف حقيقي دائم نتيجة مرضية لدولة مستولدة من رحم الانتداب البريطاني على حساب أصحاب الأرض، خاصة لو صارت هذه الأداة وسيلة لتصفية الحسابات ودغدغة المشاعر وتسجيل النقاط خارج الزمن الحقيقي للمباراة ودون تقنية (VAR).

 

 

 

شاهد أيضاً

استخدام “الكانون” في الشتاء بين التدفئة والمخاطر

الصباح/ شعيب أبو ساقة مع قدوم فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة في ليبيا، تلجأ العديد …