تواصـــل
بقلم / محمد الفيتوري
ندرك تمام الإدراك أن لكرسي السلطة جاذبية وسحر كبيرين حتى إذا ما جلس عليه الكثيرون يشعرون بالكبرياء والأنفة والغرور بل وحتى التعالي على من أوصلهم إليه, هذا الكرسي الذي يعد للقليلين وظيفة ليس إلا من أجل خدمة وطنهم ومجتمعهم, وليس غاية ايمانا مطلقاً منهم بضرورة التداول السلمي على السلطة وفق قوانين تنظم هذه المسألة المهمة التي لها تداعيات جد خطيرة على أمن مجتمعاتهم واستقرارها لاسيما العربية منها التي تشهد عديد الصراعات المدمرة بين الحاكمين والمحكومين ولأزمنة طويلة.
وطالما نتحدث عن المشهد العربي بشكل عام نجد الحاكم العربي على وجه الخصوص لا يترك منصبه في ظروف طبيعية أو قانونية إلا ما ندر, بل نراه يتمسك بالكرسي حتى آخر رمق وآخر محاولة ولو كانت يائسة, وهذا ما لم يعد يتوافق والتطورات التي يشهدها عالم اليوم نتيجة ارتقاء منسوب الوعي الشعبي وضرورة أن تكون السلطة وظيفة والحاكم موظفاً لخدمة الشعب ولمدة مقننة ومحددة في الدساتير المنظمة للعمل السياسي فما أحوجنا إذن لكرسي من معدن «التيفال» غير قابل للاتصاق به حتى يضطر الحاكم الجالس عليه عدم الالتصاق به ويسخّر كل وقته وجهده لشعبه ووطنه في معارك البناء والتنمية ولامجال مطلقا للكولسة من أجل البقاء في سدة الحكم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!!!
فالسلطة في المجتمعات التي لها باع طويل في ممارسة الديمقراطية وظيفة والرئيس موظف بمرتبة «رئيس» وخادم لناخبيه وغير ناخبيه على حد سواء. . أما في المجتمعات المتخلفة عن الركب الحضاري, فالواقع يختلف تماماً وما الصراعات والنزاعات الدموية إلا نتاج لترسبات عميقة في عقل الكثيرين تكرس جل محبي السلطة والهيمنة على صنع القرار ما تجعل تلك المجتمعات محل سخرية وتندر من قبل الأمم الأخرى.
إن تجاوز الواقع المتردي للمجتمعات العربية يبدأ بالقيام بالإصلاحات الجوهرية التي تتمحور بالأساس في التداول السلمي على السلطة وفق المنطق الذي يقول إن الكفْءَ هو الأجدر بتنفيذ السياسات العامة, وأن الخروج إلى براحات التقدم والعصرنة يقتضي ذلك للحاق بركب الأمم المتطورة والشعوب العربية سأمت مصادرة حقوقها والقفز على احلامها وإرادتها ولم تعد تقبل بأن تكون رقماً هشاً في المعادلة لأنها وبكل بساطة هي من يدفع الفواتير الباهظة بسبب الاختلاف السياسي والاقتصادي والأمني والارتهان لعباد السلطة والكراسي الذي أوصلها إلى طرق في الغالب كلها مسدودة نتيجة البوصلة الخاطئة التي تقود نحو المجهول.
كما وأن الحال العربي الراهن الآن هو انعكاس حقيقي لجملة من الأزمات التي تعصف بأمنه واستقراره وتجعله مادة إخبارية يومية تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة للعالم.
فالسلطة مكمن الداء, والكرسي هو جوهر المشكل السياسي ومتى تغيرت المفاهيم والرؤى حوله على نحو إيجابي فإن المستقبل سيكون حتماً مغايراً ومواكبا للتطور الإنساني الذي يسارع الخطى دون أن تستطيع المجتمعات العربية اللحاق به بسبب ما تعانيه من أزمات متلاحقة على شتى الصعد.