الصباح/ خلود الفلاح
العلاقة بين التاريخ والرواية علاقة تكاملية، عميقة، منــه استلهام الروائيون أعمالهــم، منطلقين من حدث تاريخي بتفاصيله وشخصياته نحو عالم روائي شاسع يجمع بين الحقيقة والتخييل.
حتى ليكاد ينافس التاريــخ المكتوب، وتتقــدم الرواية باعتبارهــا تاريخا لا تخييلا.
ويمكن ذكر في هذا المجال رواية “حكاية الخادمة”، لمارغريت أتوود والتي استوحت أحداثها من صعود الفاشية والأنظمة الدينية المتشددة.
وهنا يمكن السؤال، هل أصبح الروائي مــؤرخ العصــر الحديــث؟ وإلى أي حد يشكل التاريخ العربي، بثقله التاريخي، مصدرا مهما في الكتابة؟
الرواية تاريخ
يشير الروائي الليبي صالح السنوسي، إلى أن التاريخ الليبي جزء من التاريخ العربي، مستطردا: من هذه الزاوية فأن التاريخ الليبي كان ولاشك مصدر إلهام لي في كتابة عملين روائيين عن مرحلة الاستعمار الإيطالي اولهما هي رواية “الهروب من جزيرة اوستيكا” التي صدرت عن الهيئة العامة المصرية عام 2018، وهي الرواية التي تستمد مخيالها الروائي من واقعة تاريخية لم يسبق التطرق إليها في الأدب الروائي الليبي ثم اغترفت من منبع التاريخ الليبي رواية أخرى بعنوان “ازهار بيضاء على تخوم المقبرة” التي صدرت عن دار ايبيدى المصرية عام2020، وهي ايضا تدور احداثها ما بين 1920 و1930 ابان مرحلة الاستعمار الإيطالي حيث تشكلت في بنغازي الرازخة تحت اغلال العسف والعنصرية والكراهية علاقات الحب والتضحية والمأساة والفروسية بين الايطاليين و الليبيين من الجنسين والذين تساموا بإنسانيتهم وعواطفهم البريئة وضعفهم ليصنعوا مشهدا مغايرا يتحدى الظلم والخوف والعجز والعواقب الوخيمة.
ويضيف، “لا أعتقد أن احدا من الروائيين الليبيين حتى الآن قد صدرت له روايتان عن هذه المرحلة من التاريخ الليبي الثرية بأحداثها، صرت اتفاءل خيرا بدخول هذه المرحلة بالذات في بؤرة الادب الليبي بعد أن لفت النظر إليها فصرنا نطالع روايات تصدر في هذا الوقت وتتخذ من أحداث تلك المرحلة موضوعات لها مثل روايات صندوق الرمل والقائد العاشق المقاتل.
الرواية تاريخ حتى وإن لم تتكئي على وقائع تاريخية، ولكن لا شك أن دخول الرواية إلى رحاب التاريخ ودخول التاريخ إلى محراب الرواية هو اقوى وصفة لتجذير الهوية”.
إسقاط على الواقع
يرى الروائي الليبي البدري الشريف، بأن التاريخ العربي القديم منه والحديث غني جدا بالأحداث الدرامية وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهو في الحقيقة ما زال يتداخل مع كثير مما نعيشه اليوم من أحداث ومن تطورات تمس حاضرنا ومستقبلنا. فصراعنا السياسي ما زال متأثرا ومتفاعلا مع الصراعات التاريخية السابقة. وعلى الخصوص منها الصراع بين علي ومعاوية! وعلى مستوى التطور الاجتماعي فما زلنا نناقش دور المرأة في المجتمع وماذا ترتدي وما زلنا نستحضر مصطلحات وفتاوي انتهى مفعولها، ولكنها تظهر فجأة وكأننا نعيش زمنا افتراضيا غير زمننا الذي نعيشه الآن مع العالم.
ويضيف: “أما من حيث النضال من أجل الحرية والاستقلال فالقضية ما زالت مستمرة. من هنا فإنني اعتبر التاريخ مصدرا مهما للكتابة الروائية حيث أن ذلك يمكننا من عمل اسقاطات على واقعنا الحالي وتضمين رسائل معينة غير مباشرة لدفع القارئ إلى التفكير خارج الصندوق وطرح الكثير من الأسئلة التي تتناول الحياة بشكل غير مباشر”.
الإشارات التاريخية
اعترفت الروائية المغربية ريم النجمي أنها مسكونة بالتاريخ العربي الحديث، وتلفت، بحكم الدراسة والعمل المهني الصحفي تواريخ الأحداث الكبرى محفورة في ذاكرتي ومؤثرة بحيث أن ما نعيشه اليوم وما نكتبه ونحلله لا يمكن فصله عن بداية الحكاية منذ عقود.
وترى ريم النجمي، حتى لو لم يكن العمل الروائي تاريخيا مباشرا، فإن الكتابة لا يمكن أن تكون خارج الإطار التاريخي. إذ سيجد القارئ إشارات تاريخية متفرقة تكون جزءا من العمل وتمنحه عمقا أكثر وصدقية أكبر، فربط الأحداث المتخيلة بأخرى واقعية تاريخية يمنح النص الحياة. على سبيل المثال رواية “العشيق السري لفراو ميركل” ما كانت لتتشكل كقصة لولا العودة لتاريخ سوريا في مرحلة الأسد الأب والابن، كان لابد من العودة لتاريخ البلاد واستحضار محطات لافتة في سوريا بدءا بمجزرة حماة وما تلاها من هروب المعارضين إلى أوروبا مرورا بالثورة السورية وصولا إلى ما نتج عن ذلك كله من موجات لجوء إلى ألمانيا.
وتحدثت ريم النجمي عن روايتها الجديدة والتي ترتكز على تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا التاريخ له ثقله العاطفي الخاص، ومليء بالتفاصيل التي عشناها ولا نزال نعيشها بشكل يومي، ولذلك تشكل تحديا من نوع خاص في الكتابة.