جمعة بوكليب
زايد..ناقص
كنتُ كلما غادرتُ بيتنا في الظهرة صباحاً، وانعطفتُ يميناً نحو الزقاق المؤدي إلى الشارع الرئيس، أراها واقفة في منتصف الطريق، تبيع قناني ماء لسائقي السيارات. حين لمحتُها أولَ مرّة ظننتُها متسوّلة. ولم اكتشف حكاية بيع قناني الماء إلا في فترة لاحقة. كان سائقو السيارات يتعاطفون مع المرأة العجوز بشراء بضاعتها. أعتبرتُها جارة.
أحياناً كنت أرصدها من مسافة “تفترم” مع نفسها. وهو أمرٌ صار شائعاً وعادياً في مدينة فقدت اتزانها منذ زمن، ومعها فَقَدَ بشرٌ كثيرون من سكانها توازنهم النفسي، وصاروا يمشون في الشوارع يكلمون أنفسهم بكلام “مفترش.”
وقفتُ، ذات صباح، في “رأس الشوكة”، أرقبُ الماشي والجاي. على بعد أمتار قليلة منّي، رأيتُ جارنا صاحب متجر الالكترونات ينظف الرصيف، من بقايا طعام تركته قطط، قبالة مدخل الدكان، ويضعه على قطعة “كرتون” جنب الحائط في الشارع الجانبي. وحين انتهى دخل الدكان. رأيت المرأة العجوز تأتي لتفقد الطعام تحت الشجرة وأمام الدكان، وحين لم تجده بحثت عنه وهي لا تكف عن الشتيمة، ووجدته حيث وضعه الرجل، فأخذته وأعادته إلى مكانه السابق تحت الشجرة، وأمام مدخل الدكان. رأها الرجل فخرج من دكانه، وألتقط الطعام وأعاده حيثما وضعه المرّة الأولى. فقامت المرأة العجوز بالتقاطه ووضعه تحت الشجرة وأمام مدخل الدكان. لم يحتمل صاحب الدكان، فصاح بها ألا تضعه أمام دكانه، فردت عليه صائحة بأن ذلك المكان هو مكانه، وأن القطط لا تعرف مكاناً آخر، وإذا لم تجده هناك ستجوع. استمر الوضع على ما هو عليه. الرجل يرفع الطعام ويضعه جانباً والمرأة تعيده. وأرجو ألا يطلب مني أحد تكملة بقية المشهد، لأني غادرت المكان هرباً وخشية من أكون شاهداً غصباً عنّي في “عركة” عالريق، حول قطط شوارعية، تتنطط في كل الأمكنة، وتتنقل طوال النهار بين أكوام القمامة، ومليئة بالبراغيث، ومصدراً لعديد من الأمراض، لإنعدام العناية البيطرية، ويتشاجر حولها الجيران، من صبح الله!