إيناس احميدة
سيدة ستينية في طريقها إلى تونس برفقة أبنائها تُفاجأ بأن اسمها مُدرج في قوائم المطلوبين بسبب قضايا مرتبطة بزوجها المتوفى. تُعاد موقوفة في سيارة الشرطة.
سيدة أخرى، معلمة وأم، تقضي ثلاث ليالٍ في أحد مراكز الشرطة بسبب شكوى جارتها في مشاجرة وقعت منذ أكثر من 15 عامًا، لا يعلم سوى الله من افتعلها.
رجل أربعيني، مصاب بورم في الرأس، بدلاً من بدء رحلة علاجه، يُلقى القبض عليه ويُرحّل إلى أحد السجون بسبب قضية شرب خمر حين كان في العشرين من عمره.
هذه ليست سوى بعض من عشرات القصص التي تتردد على مسامعنا مؤخرًا، مع قرار مكتب النائب العام تنفيذ الأحكام الغيابية وتحقيق العدالة. قوائم القبض تضم آلاف الأشخاص ممن صدرت بحقهم أحكام غيابية في قضايا جنائية متنوعة، من مشاجرات بسيطة إلى جرائم قتل وخطف. لكن معظم هذه القضايا قد تجاوزها الزمن.
تطبيق القانون في القضايا الجنائية القديمة يهدف إلى الحفاظ على سيادة القانون وتحقيق العدالة، وهو مبدأ إنساني لا يختلف عليه أحد.
ويصبح هذا التطبيق ضروريًا في القضايا التي تتسم بالخطورة وتمس أمن المجتمع وحقوق الضحايا بعمق. كما يجب أن تتوافر أدلة واضحة تُثبت الجريمة، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الجرائم غير مشمولة بفترات التقادم القانونية.
إعادة فتح هذه القضايا تُسهم في تحقيق العدالة للضحايا. وتعزيز الثقة في المؤسسات القضائية وترسيخ سيادة القانون ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
ولكن، هل راعت هذه القوائم الضمانات القانونية وحقوق المتهمين وذويهم؟
وهل تم تحقيق مبدأ الحق في الدفاع ومراعاة ظروف هؤلاء الأشخاص، سواء في وقت ارتكاب الجرائم أو بعد مرور عشرات السنوات عليها؟
البدء في تنفيذ الأحكام الغيابية لقضايا قديمة يتطلب إعداد دراسات وأبحاث مجتمعية شاملة، لتقييم التأثيرات المحتملة على الأمن الاجتماعي والاستقرار. هذه الدراسات تُسهم في ضمان تنفيذ القانون بطريقة عادلة ومتوازنة، مع مراعاة حقوق الأفراد والمجتمع.
•إعادة تقييم القوانين القديمة: بعض هذه الجرائم يصنّف وفق قوانين قديمة قد تجاوزتها الأنظمة القانونية الحديثة، مما يستدعي إعادة النظر فيها بما يواكب التطورات القانونية والعدالة الاجتماعية.
•معالجة شح الأدلة وتعقيد القضايا: التحقيق في القضايا القديمة يتطلب دقة وشفافية لتجنب الظلم وتحقيق الإنصاف للجميع.
ضمان حقوق المتهمين في القضايا التي طال أمدها يتطلب إجراءات قانونية متوازنة تراعي احترام حقوقهم وحقوق ذويهم. تحقيق العدالة بمراحلها كافة. والالتزام بالضمانات القانونية ومبدأ المحاكمة العادلة.
هذا التوازن بين سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ضروري لضمان عدم التسبب في توترات اجتماعية أو انتهاك لحقوق الأفراد، مع توفير قنوات قانونية تتيح للمتهمين ممارسة حقوقهم بشكل كامل.
تحقيق العدالة في القضايا القديمة مسؤولية حساسة. النجاح فيها يعتمد على الحكمة في التنفيذ، وضمان الإنصاف للجميع، وترسيخ الثقة في نظام العدالة.