منصة الصباح

رُوتينٌ صَباحيٌ عاديٌ جداً

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

تنهضُ من نومكَ مُبكراً ومُتوجّعاً من آلام تحسُّ بها كمسامير تخزّ عظامك. مرحباً بكَ في يوم آخر، في حياة بلا حياة.

كالعادة، كل صباح، عقب استيقاظك، تتحسُّ أطرافكَ، عضواً عضواً، وتتأكك أنّها مازالت موجودة، ولم ينقصْ منها واحدُ، كما تركتها الليلة السابقة. والأهمُّ أنّها تتحرك وتعمل. “ياريت فيه الموت وما فيش الكُبر” تردد في داخلك ما كنتَ تسمعه صغيراً يردد من حولك كثيراً، من أفواه رجال ونساء اكتهلوا فجأة، مثلما صرتْ أنتَ عليه الآن.

تغتسلُ بماء دافيء. تحتسي أولَ فنجان قهوة مُرّة ممزوجاً بمرارة نيكوتين أول سيجارة. تتناول افطارك. ترتدي ملابسكَ على مهل، مثل أي كهل آخر، في أي بقعة أخرى من العالم. تغادرُ بيتكَ متوكلا على الله، ومتمتماً بأدعية وتسابيح، تعلمتها من أُمّكَ، تتوسل بها إلى الله تعالى كل صباح، بأن يفوت النهار على خير.

تقابلكَ، وجهاً لوجه، سماءٌ شتائية رمادية كالحة تَعوّدتْ عليها، فلا توليها اهتماماً. تسيرُ وحيداً على رصيف اسمنتي مبلل بمطر البارحة، في شارع خالٍ من المارّة وساكن من شدة البرد.

تشعل سيجارة أخرى، لأنّك في غياب الأنسِ البشري، تضطرُ إلى اختراع بديل، فالحاجة أم الأختراع كما يقولون. وفي الأخير، ومن خلال تجاربك الماضية، تعلمت أن شرور تدخين سيجارة أخفُّ وأهونُ من شرور الوحشة.

روتينٌ صباحيٌ عاديٌ جداً.

أتركْ أحزانكَ تبكي لحالها فلم يعد لديك الآن وقتٌ كافٍ لها. حاول أن تركز نظركَ على طريق غارق في الصمت والوحدة، خشية التعثر فيما يجول في ذهنكَ من تعقيدات مشاكل حياتية تبدأ ولا تنتهي.

وأرصد بحب وبشغف في قلبك الهرم ما ينبثق من براعم ورود جميلة ونديّة بألوان عديدة. هذه ليست مفارقة. فمن عادة الورود أن تنمو وتتبرعم في القلوب رغماً عن الأحزان. ربما لتعلمنا دروساً تمنحنا القدرة على مواصلة الحياة.

في الشارع الرئيس بالمنطقة، حيث تقيم منذ قرابة عقدين من الزمن، تدبُّ الحياة وئيداً. سيارات وموتوسيكلات تتحرك في الاتجاهين، وأناسٌ بوجوه وملامح مكفهرة ولا مبالية يتحركون مثل “روبوتات.” ولكي لا تشعر بالغربة، تحوّل أنتَ الآخر تدريجياً مثلهم إلى “روبوت” وزي الناس لا بأس.

في “السوبر ماركت”، تغمركَ أضواءٌ تبعثُ فيك دفئاً لذيذاً. تترك قدميك تقودانك إلى رفوف المجلات والصحف. تنتقي منها محصولك اليومي، وتولي الدُبرَ قاصداً آلات الدفع الآلي. خلال عملية الدفع، ترفض الآلة الاستجابة وتتوقف.

فتنطلق من شفتيك شتيمةٌ بذيئةٌ بلغتك الأم، لا تُتوقع من كهل مثلك. تنادي على عاملة تقف على مسافة قريبة منك لحلّ المعضلة. وتقول بصوت محتج إن الآلة حرنت، ولا تعرف لماذا.

تبتسم العاملة، وترد قائلة: ربما يعود السبب إلى الكمية الإضافية من الأخبار السيئة في الصحف هذا اليوم. فتنطلق منك ضحكة عالية.

تعودُ الآلة إلى العمل، وتعود العاملة إلى سابق ما كانت تعمل. وحين تنتهي أنتَ من عملية الدفع، تغادر “السوبرماركت” ضاحكاً.

وهذا غريب وعجيب. إذ العادة جرت أنّك تدخله صامتاً وتغادرة صامتاً، مثل “روبوت.”

أمام الباب الرئيسي “للسوبرماركت”، تنتحي جانباً، وتشعل سيجارة أخرى. تعود إلى بيتك، وحيداً كما غادرته.

وهناك، في وحشة الصمت، وحيداً، تبدأ رحلتك اليومية في رصد ومتابعة، ما وصفته عاملة السوبرماركات، بالجرعات الأضافية من الأخبار السيئة ذلك اليوم، حتى لا يفوتك شيء.

رُوتينٌ صَباحيٌ عاديٌ جداً.

حاول أيها القاريء الكريم تفاديه ما أمكن. وأرفض، بوعي وبشدة، أن تكون أسيراً لأي روتين، خاصة إذا كنت تجاوزت سنّ الخمسين.

شاهد أيضاً

الهلال يستعيد نغمة الانتصارات بثلاثية أمام البرانس

نجح فريق الهلال في العودة إلى سكة الانتصارات بعد تحقيق فوز كبير على البرانس بنتيجة …