تقرير طارق بريدعة ..
غياب المعلومات في مؤسسات المعلومات: أزمة توثيق وإدارة البيانات في ليبيا
إحصائيات تعكس أزمة متفاقمة
أصدرت جامعة طرابلس تقريرا حديثا لم تحدد فيه سنوات التخرج في عصر الرقمنة والتكور يكشف عن إجمالي عدد خريجي الجامعات الليبية، والذي بلغ 155,303 خريجين. هذه الأرقام تُظهر حجم التحديات التي تواجه سوق العمل الليبي، حيث يعاني الكثير من الخريجين من صعوبة الحصول على فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم.
وفقا للإحصائيات، يتوزع الخريجون بين 60,133 ذكورًا و81,853 إناثًا، إضافة إلى 4,520 خريجا أجنبيًا. ومن اللافت أن كلية الاقتصاد والتجارة تصدرت أعداد الخريجين بـ44,637 خريجًا، تلتها كليات الطب، التقنية الطبية، والهندسة.
غياب البيانات الحديثة يعوق العمل الصحفي
أثناء إعداد هذا التقرير، توجه فريقنا الصحفي إلى الهيئة الوطنية للمعلومات والتوثيق للحصول على بيانات وإحصائيات محدثة تتعلق بخريجي الجامعات وسوق العمل في ليبيا. إلا أن الهيئة، وفقًا لما أوضحه موظفوها، تفتقر إلى أي بيانات حديثة تدعم عملنا أو تسهم في تسليط الضوء على هذه القضايا الحيوية.
الموظفون أكدوا أن المعلومات المسجلة لديهم تعود إلى سنوات سابقة، ولا يوجد أي تحديثات منتظمة للبيانات المتعلقة بالخريجين أو احتياجات سوق العمل. هذا النقص في التوثيق يُعتبر عائقًا كبيرًا أمام الصحفيين الذين يعتمدون على المعلومات الدقيقة لإعداد تقارير موضوعية تسهم في إيضاح الواقع وطرح حلول عملية.
إن هذا القصور يُلقي الضوء على حاجة ملحة لتطوير نظم التوثيق وتحديث البيانات بشكل دوري لدعم الأبحاث والتقارير الإعلامية والسياسات الوطنية على حد سواء.
عدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات السوق
تشهد ليبيا فجوة متزايدة بين ما تقدمه الجامعات من تخصصات وما يحتاجه سوق العمل فعليًا. تشير الأرقام إلى وجود فائض في تخصصات مثل الطب (17,810 خريجين) والهندسة (16,012 خريجا)، بينما تعاني التخصصات المهنية والحرفية من نقص واضح. هذا الاختلال أدى إلى تضخم أعداد الباحثين عن عمل، حيث يجد خريجو التخصصات الأكاديمية التقليدية صعوبة في إيجاد وظائف تتناسب مع مهاراتهم.
في المقابل، يزداد الطلب على العمالة في القطاعات الفنية، مثل البناء، الكهرباء، وميكانيكا السيارات، التي تفتقر إلى أعداد كافية من العمالة المحلية المؤهلة.
سيطرة العمالة الوافدة وتحدياتها
رغم البطالة المرتفعة بين الشباب الليبي، تواصل العمالة الوافدة السيطرة على السوق المحلي. فقد أصبحت ليبيا وجهة مفضلة للعمالة الأجنبية بسبب قلة التكلفة التشغيلية واستعدادهم للعمل في وظائف ذات طبيعة شاقة أو برواتب أقل مما يطلبه المواطنون.
وقد أشار تقرير حديث إلى أن العمالة الوافدة تغطي احتياجات السوق في العديد من المجالات التي يبتعد عنها الشباب الليبي، مما يؤدي إلى خلل في توزيع الفرص ويزيد من اعتماد البلاد على الأيدي العاملة الأجنبية.
غياب التدريب والتأهيل المهني
أحد أبرز أسباب هذه الأزمة هو غياب برامج تدريبية للشباب الليبي في المجالات الحرفية والتقنية. معظم الخريجين يفتقرون إلى المهارات العملية التي يحتاجها السوق، مما يفتح المجال أمام العمالة الوافدة لشغل هذه الوظائف.
وفي هذا السياق، تؤكد المؤسسات التعليمية والجهات الحكومية على ضرورة الاستثمار في برامج تدريبية تركز على المهارات العملية لتأهيل الشباب لسوق العمل.
جهود حكومية لمعالجة البطالة
أطلقت حكومة الوحدة الوطنية الليبية مبادرات متعددة لمواجهة أزمة البطالة. وقد أعلن وزير العمل والتأهيل، علي العابد، عن انخفاض عدد الباحثين عن العمل المسجلين من 340 ألفًا إلى 220 ألفًا، مشيرًا إلى أن البطالة في ليبيا تُصنَّف على أنها “بطالة مقننة”، حيث يعمل الكثير من الشباب في وظائف غير مستقرة أو ذات رواتب منخفضة.
من بين الجهود المبذولة، بدأت الحكومة بتطبيق نظام “الكفيل الخاص” لتنظيم العمالة الأجنبية، حيث تتحمل الشركات المحلية مسؤولية تنظيم عقود العمل وضمان حقوق العمالة. إضافة إلى ذلك، أُطلقت برامج تدريبية بالتعاون مع شركات دولية، كما تم توجيه الشباب للعمل في قطاعات مثل مصنع الحديد والصلب ومراكز تدريب أخرى.
نظام “الكفيل الخاص” لتنظيم العمالة الأجنبية
في خطوة لتعزيز تنظيم سوق العمل، أعلنت الحكومة الليبية عن تطبيق نظام “الكفيل الخاص”، الذي يهدف إلى تقنين وجود العمالة الأجنبية في البلاد. ووفقا لهذا النظام، ستكون الشركات المحلية مسؤولة عن تسجيل العمالة الوافدة عبر مكاتب العمل أو منصة “وافد” الرقمية.
وأوضحت وزارة العمل أن هذا الإجراء يأتي ضمن جهود مكافحة الهجرة غير النظامية وتنظيم سوق العمل بما يحد من المخالفات القانونية المتعلقة بتوظيف الأجانب.
قرارات لتنظيم شركات الخدمات العمالية
أصدر مجلس الوزراء الليبي القرار رقم 148 لسنة 2024، الذي ينظم تأسيس شركات تقديم الخدمات العمالية في البلاد. القرار يُلزم الشركات بتوظيف كوادر ليبية في مناصب إدارية وفنية، مع فرض رقابة دورية للتأكد من التزامها باللوائح.
نحو مستقبل مستدام
تؤكد هذه الجهود أهمية تبني رؤية شاملة تربط بين تطوير التعليم، تحسين السياسات الاقتصادية، وتنظيم سوق العمل لتحقيق الاستدامة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل ستتمكن ليبيا من تجاوز هذه التحديات وتحقيق توازن فعّال بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق؟
ختاما، تعد معالجة أزمة البطالة وتنظيم سوق العمل تحديًا معقدًا يتطلب جهودا جماعية من جميع الأطراف المعنية. الأمل معقود على استمرار المبادرات الحكومية والتعاون مع المؤسسات التعليمية لإيجاد حلول عملية ومستدامة تُسهم في بناء مستقبل أفضل للشباب الليبي.