تاكسي الشارع: شريك الضرورة وحليف الأمل
إعداد ..طارق بريدعة
لا مفر لمن يسكن في مدينة مكتظة بالسكان، ويحتاج الذهاب إلى العمل أو الجامعة في أسرع وقت ممكن، في بلاد لا يتوفر فيها شبكة مواصلات عامة! يبدو الخيار الأول الذي يتبادر إلى الذهن ؟ بالتأكيد، ” تاكسي ” .
ولكن، هل فكرنا يومًا في المعاناة التي يعيشها سائقو التاكسي والركاب على حد سواء؟ في هذا التقرير، سنقوم برحلة استكشافية في عالم ” التاكسي “، وسنحاول فهم التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي، وكيف تؤثر على حياتنا اليومية.”
” التاكسي في ليبيا .. مغامرة ”
عام 2021 خضع سائقو سيارات الأجرة في لندن لاختبار صعب، يقتضي تنقلهم في 26 ألف شارع بعاصمة الضباب دون اللجوء الى نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس”.
والهدف من ذلك ضمان سلامة أي مستقل لسيارات الأجرة والتأكد من انه بين أيد أمينة، خاصة وأن احترام المظهر والسلوك المهذب القويم أضحيا من الأساسيات التي لا يجادل بشأنها أحد.
في بلادنا يبدو الواقع مغايراً، استخدام ” التاكسي ” لتصل مكانك يُعد مغامرة ! ربما مرهقة، وربما محفوفة بالمخاطر.
سيكون عليك التكيف مع أمزجة سائقو ” التاكسي ” ، وقد تضطر للوقوف ساعات انتظار طويلة، خاصة لو ان أحوال الطقس مضطربة أو الوقت متأخراً
“العداد في ليبيا اختراع لم يصل إلينا بعد “
ولاحقاً ستدخل في نقاش على قيمة الأجرة، بينما قدماك يتقدمان يتأخران إلى داخل السيارة، العداد في ليبيا ” اختراع لم يصل إلينا بعد ” ، وقد تقضي مشواراً بعينه مقابل 10 دنانير وتعيد الكرة بـ25 .. فالأمر لا يخضع لقاعدة إلا ازدحام الطريق وقناعة السائق “ومدى خواء جيبه”.
أما الهندام فعالم آخر متباين مزركش، بين ما يرتدي ثوباً طويلاً وثانٍ يقضي عمله بلباس رياضي، وثالث اقتصر ما يستر جسده على سروال قصير ” شورت” وقميص خفيف، والجميع لا يرى في ذلك غضاضة، ذلك أن محاولة فرض زي رسمي لسائقي التاكسي أواخر القرن الماضي أفرزت ملامح ” كوميدية” “، من قبيل ربطة عنق على ” بدلة عربية”.
” النساء لسن في أمان ”
تشكو بعض النساء من العوز وقلة الحيلة والاضطرار إلى ” التاكسي ” في رحلة يصفونها احيانا ” بالخطيرة ” تتقد الحواس ويُشد الانتباه لكل حركة لا يشعرن بالأمان طول الرحلة ، فهي فرصة للبعض للحديث ومحاولة فرض النفس وتنتهي احيانا ” خوذي رقمي كلميني اي وقت ”
يقول العقيد متقاعد “فرج المهدي” :
في ليبيا، أصبحت سيارات الأجرة أو “التاكسي” جزءاً كبيراً من مشهد الحركة المرورية اليومية، سواء كانت هذه السيارات تعود مواصلات عامة أو يملكها أفراد بشكل خاص.
هذه المركبات، التي من المفترض أن تعمل وفق قوانين ولوائح محددة وتراخيص رسمية، في كثير من الأحيان تعمل دون ضوابط واضحة، ما يخلق تحديات في النظام المروري.
على الرغم من أن أصحاب هذه السيارات معروفون لدى الجهات المختصة مثل وزارة المواصلات أو وزارة الداخلية، إلا أن الواقع في ليبيا يعكس حالة من الفوضى في هذا القطاع.
ويضيف : ” التاكسي في ليبيا ينقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية سيارات “الافيكو”، “التراجيت” ذات السبع ركاب، و”التاكسيات الصفراء” الخاصة، إلى جانب شركات التوصيل التي بدأت تشهد نشاطا متزايدا في الفترة الأخيرة.
سألت بعض المارة في طريقي عن تجربتهم مع هذه الأنواع، أكد الكثيرون أن سيارات “التراجيت” الأكثر احترامًا للقوانين، يقودها في الغالب أشخاص بلغوا سن التقاعد ويسعون إلى مصدر دخل إضافي.
في المقابل، تعتبر سيارات “الافيكو” الأكثر تجاوزا للقوانين المرورية، غالبًا ما تجد سائقيها يتصرفون بشكل غير لائق، مثل تشغيل الموسيقى بصوت عالٍ
قوانين تنظيمية
أصدر وزير الحكم المحلي عام 2014 القرار رقم 446 لتنظيم خدمات النقل العام وسيارات الأجرة. يهدف القرار إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة وضمان التزام الشركات والأفراد العاملين في هذا المجال بالقوانين يشمل القرار العديد من المواد التي تحدد بوضوح الشروط والمتطلبات الضرورية لممارسة نشاط النقل العام.
يُشترط على جميع الشركات والأفراد العاملين في هذا المجال الحصول على التراخيص اللازمة وفقاً للقوانين النافذة
كما تفرض اللائحة أن يكون النشاط محصوراً بالأفراد والشركات الليبية.
متطلبات الترخيص والتشغيل
يُلزم القرار الشركات التقيد بعدد من الشروط لضمان جودة الخدمة، مثل توفير مقر مناسب ومجهز بالمرافق الضرورية، إضافة إلى عدد كافٍ من العاملين القادرين على إدارة النشاط بكفاءة.
كما تشترط اللائحة أن تكون جميع السيارات مؤمّنة بالكامل من خلال شركات التأمين الوطنية، وأن تتم صيانتها بانتظام لضمان سلامتها ويولي القرار أهمية كبرى لضمان راحة وسلامة الركاب
تنص اللائحة على ضرورة توفير أجهزة اتصال لاسلكية وتدريب السائقين على استخدامها بشكل آمن.
التدخين ممنوع
يُحظر على السائقين التدخين داخل السيارة، ويجب وضع لوحات مكافحة التدخين بوضوح داخل السيارات. بالإضافة إلى ذلك، يُلزم السائقون بارتداء زي موحد وتقديم المساعدة للركاب، خاصة المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
سيارات التاكسي ” بيضا وكحلة ” مخالفة
رئيس مكتب شؤون المرور والتراخيص اللواء عبدالناصر اللافي، أكد لمنصة “الصباح” : أن وزارة الداخلية والإدارة العامة لشؤون المرور والتراخيص تعمل باستمرار على الحد من فوضى سيارات الأجرة.
وضعت ضوابط لمنح رخص ولوحات السيارات، سواء كانت للأفراد أو الشركات، لضمان سلامة الركاب وسائقي الأجرة.
يضيف ” اللافي ” : السيارات القديمة لا تُجدد تراخيصها لأنها أصبحت متهالكة وغير موثوقة.
موضحا : ” أن السيارات التي تتجول في شوارع العاصمة باللونين الأسود والأبيض تخالف القانون
الأصفر هو اللون الرسمي لسيارات الأجرة المعتمد في كافة أنحاء ليبيا. وكشف أن هناك حوالي 120 ألف سيارة أجرة في مختلف أنحاء البلاد، منها ما بين 35 إلى 40 ألفًا في العاصمة طرابلس.
يضيف : ” عبدالناصر أن السائقين يرتكبون مخالفات يومية، ” مثل عدم الالتزام بخط السير المحدد أو عدم تجديد أوراق السيارة، وذلك بهدف التهرب من دفع الضريبة السنوية.
لهذا السبب، تقوم دوريات المرور بمراقبة شوارع العاصمة لضبط هذه التجاوزات، حيث يتم تحرير حوالي 2200 مخالفة شهريًا لأصحاب سيارات الركوبة وحدهم.
الرائد عبدالمنعم الهادي، يؤكد أن سائقي سيارات الأجرة يرتكبون مخالفات عديدة وتصرفاتهم غير مسؤولة، ويبدو أن بعضهم يقلد الآخر؛ إذ يُلاحظ أنهم أحيانًا يقودون في الاتجاه المعاكس أو يهملون الالتزام بإجراءات المركبة المطلوبة.
في شارعنا تاكسي : وجوه خلف الزجاج
الصيد التومي، أحد سكان منطقة عرادة، يقود سيارة هيونداي إلنترا ويعمل كسائق تاكسي منذ عام 1997.
يقول: ” تركت عملي الوظيفي واشتريت تاكسي للحصول على دخل يومي جيد
يضيف التومي : ” أولي اهتمامًا بالتفاصيل : من نظافة السيارة إلى مظهري الشخصي، واحرص على استكمال جميع إجراءات الترخيص، لأن رجال المرور يراجعون أوراق المركبات بعناية.
ماجد الفرجاني يقول : ” اضطرتني متطلبات أسرتي إلى شراء تاكسي لأعمل عليها في المساء، راضيا يضيف الفرجاني : ” رغم التعب، إلا أن الدخل الإضافي يعوضني كثيرا ويساعدني على مواجهة تكاليف الحياة الباهظة “
” عمي رمضان” رغم تقدمه في العمر، لا يزال يعمل كسائق تاكسي.
يقول : “البلاد مزدحمة، الطرق غير مريحة، والأشخاص في بعض الأحيان يكونون في مزاج غير جيد، الشوارع تُغلق أحيانا بسبب المناسبات أو الإصلاحات أو الازدحام حول المدارس، ما يجعل العودة إلى المنزل في نهاية اليوم متعبة للغاية.”
” كمّل طول ”
لا تتوقف قصص وحكايات صاحب التاكسي .. لا ينسى احمد رحلة العاشرة ليلا في يناير ما قبل الماضي .. كان قد أكمل جولته وسط المدينة وكسب “ما كتب ربي ” وعند مفترق أحد الطرقات القريبة من مكان سكنه .. لوح له أحدهم، وين طريقك؟
.. توقف ولم يعد السؤال.. فما كان من الشاب المقلق إلا الصعود بعجالة قائلا:”كمل طول بالله..”
تجاوز المفرق وأكمل الطريق في اتجاه غير محدد في طريق مظلم وكأن إرادة خفية تدفعه للمضي ..
اشعل الراكب سيجارة أخرجها من خرج يحمله، لم يكملها حتى أوقفتنا سيارة كانت تتبعنا .. كان مراقب من قبل جهاز أمني لحمله المخدرات وبيعها.. تم ايقافه حتى تأكد بأنه لا علم له بما يحمل الراكب … كثيرة هي القصص المشابهة التي تقحم سائقي التاكسي في قضايا الركاب
في شارعنا تاكسي : حكايا المضطرين
أم نجلاء، وهي امرأة خمسينية لا تملك سيارة، تضطر للتنقل عبر سيارات الأجرة أحيانًا بالتاكسي وأحيانًا بسيارات “الأفيكو”.
تروي بعض قصصها، فتقول إن هناك سائقين لا يتحدثون إطلاقًا، يوصلونك إلى وجهتك في صمت، بينما آخرون ينشغلون بمكالمات هاتفية مع زوجاتهم، يرفعون أصواتهم أحيانًا للتنبيه على عدم تكرار موضوع معين. كما هناك شباب ينغمسون في محادثات غرامية
سائقو سيارات “الأفيكو”، فهم أكثر تهورًا؛ إذ يرفعون صوت الموسيقى الصاخبة ويقودون بسرعة مجنونة.
رواد، طالب جامعي، ينتظر يوميا على الطريق السريع متوجها إلى جامعة طرابلس، يقول : ” أنه لا يكترث لتصرفات السائق، فهو إما منشغل بمراجعة محاضراته أو يستمع للقرآن عبر سماعاته
الرائد عبدالمنعم الهادي، يؤكد : ” أن سائقو سيارات الأجرة يرتكبون مخالفات عديدة وتصرفاتهم غير مسؤولة، ويبدو أن بعضهم يقلد الآخر؛ إذ يُلاحظ أنهم أحيانًا يقودون في الاتجاه المعاكس أو يهملون الالتزام بإجراءات المركبة المطلوبة”