الصباح /حنان علي كابو
ماذا ينتظر من الرواية الليبية؟ ما أبرز التحديات التي تواجهها ؟ عم يبحث الروائيون أثناء الغوص في الكتابة؟ متى تقترب الرواية الليبية لتكون وثيقة؟ وهل خرجت الرواية الليبية من قيودها، ونجحت في الغوص في جل المعضلات المجتمعية والإنسانية؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحتها الصباح على عدد من الأدباء والكتاب والرواة الليبيين ليدلوا بدلوهم في ملف الرواية الليبية.
الرواية ترسم التفاصيل الدقيقة التي لم توجد حتى في الوثيقة
تذهب الاديبة الروائية غالية الذرعاني بداية في تعريفها للرواية قائلة: الرواية مصنف أدبي له خصائصه وعناصره وأدواته، وأنواعه أيضًا، الرواية نشأت لتكون أداة تثقيف وتوجيه وتسلية وإثراء ثقافي، وأداة مهمة ليعبر بها الروائي عن أفكاره، وهي عبارة عن قصة أو قصص، واقعية أو متخيلة أو الاثنين معاً، وتستمد روحها من قصص الماضي والحاضر، فهي إذن تلتقي مع التاريخ، أو تستند عليه، خاصة في أنواع معينة من الرواية.
وتضيف حول سؤالي متى تقترب من أن تصبح وثيقة، قائلة: “إذا ما رصدت الحاضر وتصدت لرسم معالمه وطرح أفكاره.
بالنسبة لي حاولت في أكثر من عمل روائي رصد الواقع الحاضر ورسم ملامحه وأفكاره، في (قوارير خاوية) و(الحرائق في حدائق التفاح) و(أم الزين) ما ساد من أفكار وما حدث من أحداث منذ بداية فبراير، أحداث كان لها أبعاد معينة، وتأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الإنسان، تداخل الواقع مع المتخيل، على أن المتخيل لم يؤثر في جوهر الواقع وصدقه.
وهنا يلتقي السرد الروائي بالوثيقة ويؤكد صدقها، على أن ما يميز الرواية هي أنها ترسم التفاصيل، والتفاصيل الدقيقة التي لم توجد في الوثيقة، وهذا الأمر شائع ووارد في الرواية التاريخية أو تلك التي تتضمن أحداث تاريخية، حيث يمكن للمتخيل أن يسد الثغرات التي نعجز عن العثور عليها في الوثيقة، وهذا الاستناد على المتخيل ينبغي ألا يغير في الواقع أو الأحداث التاريخية أو يحرفها، وإلا فقدت الرواية صدقها، وهذا الأمر اعتمدت عليه في رواية (دوامات الزئبق).
الرواية عمل إنساني بحث ولا تنقصنا الكفاءة ولا القدرة
وبحسب تجربته الخاصة يقول الروائي محمد الزروق الحاصل على الدكتوراة في الكتابة الإبداعية.
الروائي يجتذبه حدث.. موقف.. قصة عابرة.. فيتأثر بها ويكتسب شحنة لا تفرغ إلا إذا بدأ بسردها على الورق.. قد يتخذ السرد شكل قصة قصيرة وقد يطول، لكن في جميع الأحوال فإن القاص أو الروائي سيظل مشحونا بهذا الزاد حتى آخر سطر في العمل، ويجد فيه فرصته لتناول كل ما شده، وكل ما آسره، وكل ما آلمه.. الكاتب يعرف أنه باستمراره في كتابة عمله سيجد سبيلا يكشف فيه عن قضايا يتبناها وهوية تتملكه وأفكارا يعتنقها وأسئلة يطرحها، الرواية بالنسبة لي عمل آنساني بحت أظن أن مكاننا فيه لم يملأ بما فيه الكفاية وعلينا أن نشد الهمة لنملأه.. لا تنقصنا الكفاءة ولا القدرة..
الرواية الليبية تحتاج لخروجها لحياة الناس …!
وتشير الأديبة الروائية عزة رجب حول سؤالي هل خرجت الرواية الليبية من قيودها ونجحت في الغوص في جل المعضلات المجتمعية والإنسانية؟
إن تاريخ الرواية الليبية بدأ في الأدب المعاصر، والروايات التي وصلتنا من أوائل من كتبوها ناقشت المواضيع التي تشكّل صورة المجتمع الليبي التقليدي المثالي ،المجتمع الذي لايخطئ، وهو ذاته المجتمع الريعي الذي يعيش على مفهوم الأمثولة ويتغذى منها، لذلك كانت الرواية المدنية التي تعكس حياة المدن قليلة ونادرة، لعدم جرأة الطرح وعدم تنوع المواضيع، وقلة الأقلام الروائية، بعكس الرواية التي كتبها إبراهيم الكوني وجاءت مخبرة عن حياة الصحراء ،وقضايا الصحراء بالطبع قضايا إنسانية تشمل البيئة والألم ومقاساة الواقع والفقر والتهميش والأقليات ، إنّ الرواية الليبية التي تعني بمواضيع المدينة مازالت غامضة، لم تناقش قضايا المدينة ومجتمعها القبيح المليء بالظلم والقهر والوجه الحقيقي لحياة الناس وتنافس الطبقات والأقليات، والمشكلة في الرواية الليبية ليست في كتابتها ،بل في خضوعها للنظرية الشكلانية التي تزين صورة المجتمع المجرد من الخطأ، و ترفض أن تقرأ الواقع وتعريه وتعالجه وتقبل به كأي طبيعي مجتمع آخر .
وتضيف: ماذا ينتظر من الرواية ؟
على مستوى اللغة، اللغة الروائية الشعرية لابد أن تكون أداة أساسها الموهبة وامتلاك القدرة على السرد ، لأنّ الرواية تخضع لمقاييس معينة ليس شرطها الاقتصاد اللغوي كما يزعم البعض، إنما العمق الإنساني، والبعد الأخلاقي في الكتابة، أنا لا أؤمن بالكتابة الريعية التي أرفض أن أكتبها من أجل نفسي كروائية، فالكتابة في نظري فعل نرجسي، لا يغفر للروائي الهذر اللغوي، أو الانهيار البنيوي في روايته، ولا يسامحه على التسطيح للشخصيات، ولا التلفيق بأنّ المادة المكتوبة هي رواية بالفعل بينما قد تبدو مجرد حكاية طويلة لا تمت للرواية بصلةٍ. على مستوى المواضيع: من الجيد أن يتطور فهم المواضيع والقضايا المجتمعية من منظور يعبر عن التجريب الشخصي للروائي والأفراد الذين يتناول سيرتهم، حتى لا تصبح الرواية مجرد مشاع عام.
وتقول عن أبرز التحديات التي تواجه الرواية الليبية: خروجها لحياة النّاس، خروجها للمجتمعات العربية، قدرتها على الوصول لمقاييس الرواية العالمية، كل هذه المعايير مطلوبة بالإضافة إلى ترجمتها للغات أخرى، ومناقشة النّقاد لها، ثم إيمان المجتمع بأنّ هنالك حيوات أخرى يجب أن يؤمن بوجودها، ويحترم معاناتها، ومصيرها، ويخوض غمار تجاربها، إنّ أكبر التحديات هو أن يعترف المجتمع بأنّ ما تكتبه الرواية الليبية هو حقيقة لا يريد أن يراها في العلن، رغم أنّها تكبر في السرّ.
وتجيب عما يبحث الروائيون أثناء الغوص في الكتابة؟ يبحثون عن الذّات الإنسانية بهمومها وتغيراتها، عن إحداثيات جديدة لعوالم السّرد، و دوال المكان والزّمان، عن مجتمعات بعيدة وغامضة لم تصل إلى عيون الصحافة و حديث الراديو، وصور التلفزيون، وأثناء هذا البحث عن شخصياتي أرفض الكتابة النمطية، أرفض أن أكون تجربة مكررة عن غيري، أرفض أن أقلد أحداً في أسلوبه، أرفض أن أعامل شخصياتي بسطحية، فالعمق الإنساني والبعد الأخلاقي من ركائز الكتابة لديّ.
في الحقيقة هل كل رواية تعدّ وثيقة ؟ مثلا ً لو كتبت ُ عن ذكرياتي كنتُ سأختار أن أكتب سيرة ذاتية مقسومة على أجزاء ولا أريد أن أكتب رواية لأكون بطلتها، ولو كتبتُ عن يومياتي كنتُ سأختار كتابة الخواطر في كتاب، كما كتبت غادة السّمان، أو كطريقة مي زيادة، أو طه حسين في عرض سرد صادق محايد غير مغامرٍ بالرواية كأداة تقديم للذات الأديبة.
الرواية الوثيقة مهمة صعبة للغاية، تستند على الحقائق والمدرسة الواقعية ، والمدرسة التاريخية والاجتماعية ، تستند على إحداثيات تتغذى من البيئة نفسها ، هل يمكن أن يؤمن الأدب المعاصر بأنّ الرواية الليبية هي بنت مكانها وزمانها، وأنها قادرة على تجاوز الأمثولة ،وقبول الطرف الآخر في المجتمع الذي يزعم المثالية؟ أي قبول القيم المضادة والمبادئ المعاكسة والقبح والشرّ كشريك طبيعي يرتع ويكبر معنا في مجتمعنا ؟
في هذه الحال ستكون وثيقة، لأنّ الوثيقة حقيقة، والحقيقة بنت الزمان وأم المكان.
الرواية بخير ولكن لازال ينتظرها الكثير
يقول في مشاركته الناقد الأديب رامز النويصري عن فحوى سؤالي ماذا ينتظر من الرواية الليبية؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها؟
بداية، هذا السؤال يمكننا سحبه على الأدب الليبي عامة، فمع ما تشهده الثقافة الليبية من تحديات، من المهم مناقشة هذا النوع من الأسئلة، والأهم تطبيق الحلول أو التوصيات التي تخرج من مجموع الإجابات.
لكن، بما أنكِ خصصت الرواية بالسؤال، فأقول: ما ينظر الرواية الليبية الكثير، والكثير جدًا من العمل، فهي لم مازالت قاصرة عن تناول بعض المواضيع واجتراح جزء من المسكوت عنه -وقصدًا قلت جزء-، ومازالت تحتاج إلى عمق احترافي فني في تقنيات الكتابة، خاصة على مستوى السرد، والأهم مما قلت، أن تجد الرواية في انتظارها مناخًا ثقافيًا واعيًا، وناقدًا حصيفًا يفك مكوناتها ويكشف للروائي أولًا والقارئ من بعد جماليات وارتكازات ودلالات هذا العمل.
أما عن أبرز تحديات الرواية الليبية، فهي ضعف آلتي النشر والإعلام في ليبيا، عدم وجود سياسات ثقافية واضحة، تساعد على انتشار القراءة وتشجيعها، بالتالي يكون القارئ في انتظار ما يقدمه الروائي أو الكاتب الليبي. من التحديات التي تواجه الرواية في ليبيا هو الاستسهال، بمعنى أن البعض -ومن الشباب خاصة- استسهلوا كتابة الرواية فأنتجوا نصوصًا ضعيفة حسبت على المتن الروائي الليبي.
الرواية الليبية بخير، بفضل الكثير من الروايات المميزة، التي نافس بعضها ضمن الجوائز العالمية.
ثمة انتباه أكثر لحياة الطبقة التي يعيشها الكاتب …!
ومن باب قراءاته ومطالعاته المتعددة يقول الكاتب الناقد أحمد التهامي: الحقيقة أنه بحسب قراءاتي فإن الرواية الليبية بالرغم من مضي ما يفوق الستين عاما على ظهورها منذ العام 1958م بشكل منتظم إلا أنها لاتزال تلتمس بداياتها وتبحث عن طرق عدة تلائم التعبير النفسي الملازم، فمثلا أعتبر أن كل روايات صالح السنوسي هي روايات مكتملة فنيا وناضجة ومحملة بأفكار راهنة ونقاشات معاصرة لكنها في أغلبها روايات مثقفين وهو نفس الامر حتى في حالة تلك الليلة لعبد الرسول العريبي أو في المنفى لبودبوس أو اينارو لعلي فهمي خشيم ثمة انتباه أكثر لحياة الطبقة التي يعيش ضمنها المؤلف أكثر من المجتمع الواسع