منصة الصباح

العَتَبُ عَلَى زَائِدِ العَقلِ

 

باختصار

تابع الليبيون جميعًا ما تعرض له أبناؤهم، أعضاء الفريق الوطني لكرة القدم، من إساءة وسوء معاملة عند وصولهم إلى الأراضي النيجيرية، الأمر الذي أثار استغراب واستهجان الشعب الليبي من هذه المعاملة، متسائلين عن كيفية التعامل مع مثل هذه التصرفات، وعن أسباب معاملتهم بمثل هذه الطرق التي تشوش على العلاقات الثنائية بين البلدين.

عندها طالبت شريحة واسعة من أبناء ليبيا بالعمل بمبدأ “المعاملة بالمثل” رسميًا وشعبيًا مع الشعوب والدول الأخرى، حيث شعر الليبيون أن معاملة النيجيريين لأبنائهم لم تكن مجرد إساءة عابرة، بل كانت بمثابة إهانة للفريق الوطني ولكل الليبيين.
استعاد الليبيون مشاعر الاستياء إزاء العديد من التجاوزات التي تعرضوا لها في عدد من الدول، لا سيما في المطارات. فقد شهدت السنوات التي تلت سقوط نظام القذافي تعاملات غير لائقة ومسيئة مع الليبيين في عدة دول، مما جعل مثل هذه الحوادث تزيد من إحساسهم بضرورة الدفاع عن كرامتهم وعدم السكوت على الإهانة والغبن الذي يشعرون به.

الليبيون كشعب معروف بكرمه وحسن ترحيبه وضيافته، يعتزون بكرامتهم وبكرامة أبنائهم. ودائمًا ما يستقبلون الآخرين بترحاب واحترام، وهم بطبيعتهم لا يبحثون عن المواجهات، بل يسعون للسلام والاحترام المتبادل.

لكن عندما يتم انتهاك كرامتهم أو الإساءة لأبنائهم، فإنهم لا يسكتون عن حقهم. لهذا شاهدنا التأييد الشعبي الكبير لرد فعل الليبيين على تلك الإهانة عندما استقبلوا الفريق النيجيري في مطار الأبرق، حيث رأى الكثيرون أن هذه الخطوة هي رد فعل طبيعي ومبرر على ما تعرض له الفريق الليبي، خاصة في ظل ما عاناه الليبيون في الخارج من إساءات منذ سنوات.

أراد الليبيون المؤيدون لرد الإساءة إيصال رسالة بأنهم قادرون على رد الإساءة بالمثل عند إهانتهم في غير أرضهم. فالشعب الليبي، الذي اعتاد على الترحيب بالجميع ومعاملتهم بأعلى درجات الكرم والاحترام، لا يقبل أن يُعامل بشكل لا يليق بكرامته. هذا الرد لم يكن خيار جميع الليبيين، حيث عبرت شريحة منهم بأن هذا النوع من الردود يعزز ثقافة الانتقام، ويشوه سمعة البلاد وأهلها.

وعللوا بأن ثقافة الأخذ بالثأر تهدم المجتمعات أكثر مما تبنيها، مؤكدين أن الأجيال القادمة قد تتعلم من هذه الأفعال والتصرفات، فتعتقد أن الإساءة مبررة طالما أنها رد فعل، فيغيب الحوار والتفاهم لتحل محلهما العداوات المتبادلة. ناهيك عن العقوبات التي قد تلحق بالكرة الليبية من قبل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “الكاف”، والذي طلب التحقيق في الموضوع بعد أن قدم النيجيريون شكوى بهذا الخصوص.

كما أنه من الضروري التنويه إلى أن ما حصل للفريق النيجيري في مطار الأبرق هو فعل غير حضاري بالمرة، لاسيما أننا نسعى لترميم صورة دولتنا أمام أنظار الأمم والشعوب.

كما يجب أن نعي أن رد الإساءة بالإساءة لن يجعلنا أقوى أو أكثر صلابة، بل على العكس، قد يجعلنا أسرى للغضب والعداء. الأفضل هو أن نختار الحكمة والتسامح، لأنهما السبيل الوحيد نحو بناء علاقات صحية ومستقرة، ولأننا بذلك نساهم في تحسين المجتمع ونقل ثقافة السلام للأجيال القادمة، ناهيك على أن ديننا القويم وعادتنا وأعرافنا الليبية تدعوا إلى التسامح وضبط النفس، ودائماً “العتب على زايد العقل”.

 د. علي عاشور

شاهد أيضاً

حكومة عن حكومة تفرق

جمعة بوكليب زايد…ناقص في عدد الخميس الماضي، وفي زاويته المعهودة، تعرّض الكاتب عبد الرزاق الداهش …