خلود الفلاح
هل تناولت الرواية العربية القضية الفلسطينية بصورة تناسب تأثيرات هذا الحدث؟ في هذا الاستطلاع اتفق الضيوف، أن فلسطين كانت حاضرة بقوة في الرواية العربية. والدليل على ذلك مجموعة الروايات العربية التي تجسد معاناة هذا الشعب.
وإن كان البعض يرى أن حضور القضية الفلسطينية في الشعر تفوق على حضورها في الرواية، خاصة المتعلق بالأحداث المهمة والمؤثرة، مثل النكبة والنكسة والانتفاضة.
التوثيق التاريخي
يقول الروائي الفلسطيني محمود شقير حين أعود بالذاكرة إلى الروايات العربية التي قرأتها منذ ستين عامًا حتى الآن، فإنني أخرج باستنتاج مؤدّاه أن اهتمام الروائيين العرب بالقضية الفلسطينية لم يكن في المستوى المطلوب؛ ربما بسبب انشغال هؤلاء الروائيين بالقضايا الملحة التي تعيشها بلدانهم، وربما بسبب فتور الرابطة القومية بين شعوب الأمة العربية بعد رحيل جمال عبد الناصر وتراجع الطموح بقيام وحدة عربية، وما أعقب ذلك من تراجعات وصراعات وهزائم. مع ذلك، فقد أبدى بعض الروائيين في البلدان العربية اهتمامًا بهذه القضية وبالجرائم التي ارتكبتها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
من جانبه، أعتبر الكاتب الليبي سفيان قصيبات إن الرواية العربية قدمت تغطية واسعة ومعبرة لقضية فلسطين، لكنها قد لا تكون “كافية” بالشكل المطلوب، ويضيف: نقاط القوة برأي هي تنوع الأصوات التي التجربة الفلسطينية من النكبة إلى الشتات، مما يعكس تعددية الآراء والقصص، إضافة إلى التوثيق التاريخي فالعديد من الروايات تسلط الضوء على الأحداث التاريخية المهمة، مما يساعد في توثيق الذاكرة الجماعية الفلسطينية، لهذا كانت أشهر الأعمال الخالدة هي رواية الطنطورية للراحلة رضوى عاشور والتي عرفها الجيل الحالي من خلال اليوتيوبر “الدحيح” من خلال نفس عنوان الرواية.
وعلى جانب آخر ـ يتابع الروائي التشادي محمد جدي حسن ـ أن الرواية العربية تناولت القضية الفلسطينية من كل جوانبها. بل حتى الرواية الفلسطينية بنفسها قامت بذلك فرواية “عائد إلى حيفا لغسان كنفاني تفطر القلب وتضع اليد على الجراح وتخبرنا عن معاناة شعب سُلب منه أرضه ونزع عنه هويته. فالنكبة ألم خسارة الوطن هي من أقسى ما يمكن أن يشعر به الإنسان ولن يشفي منها أبدا. فهذه الرواية التي يعود فيها سعيد بعد عشرين سنة إلى حيفا بحثا عن ابنه وعن ذكرياتٍ وبيتٍ سيدرك أنه لن يستعيدها لمجرد العودة وإنما عليه المقاومة واستعادة ما فقده، وهذه الفكرة يطرحها لنا الكاتب بطريقة فنيّة لا مثيل لها. رواية “عائد إلى حيفا” لوحدها كانت كافية لنقول إن الرواية العربية تناولت القضية.
سرديات الوجع
ويرى الكاتب سفيان قصيبات أن تعدد الأبعاد في القضية الفلسطينية معقدة وتشمل جوانب سياسية، اقتصادية، واجتماعية. قد لا تتمكن الرواية من تغطية جميع هذه الأبعاد بشكل كافٍ وهذا ما تكفلت به السينما والدراما وأهم جانب هو الانتشار والوعي. على الرغم من وجود روايات تناولت القضية الفلسطينية، لم تحظى جميعها بالشهرة أو الانتشار الكافي، مما يحد من تأثيرها. أما الجانب الأفضل في الانتشار فهي تجربة غسان كنفاني الأدبية، ولكن يبقى الشعر هو الذي كان له الدور الأكبر في تناول قضية فلسطين.
وتحدث الروائي محمد جدي حسن عن رواية “مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة” للروائي ربعي المدهون والتي فازت بجائزة البوكر عام 2006، تناولت هذه الرواية الفلسطينيين الذي بقوا في أراضيهم بعد حرب 1948، والذين يطلق عليهم عرب 48 بحكم أنهم أصبحوا يحملون جنسيات اسرائيلية. فهذه الرواية تدور حول حزن ومرارة فقدان الأرض وفقدان الهوية. ويلفت إلى أن رواية “باب الشمس” تعتبر من أهم السرديات عن الوجع الفلسطيني التي كتبها الروائي الراحل إلياس خوري. الرواية تركت أثرا كبيرا لدرجة أن مجموعة من الفلسطينيين أسسوا قرية وأطلقوا عليها اسم “باب الشمس” لتتجسد الرواية في الواقع.
ويضيف:” العمل الأدبي الذي يذهب إلى حدّ تجسيده في الواقع هو عمل حقق أقصى ما يهدف إليه أي فن وخاصة المقاوم. كما يجب أن نذكر رواية “الطنطورية” لرضوى عاشور والتي تروي أحداثها بطلتها رقية ابنة قرية الطنطورية قصة الاحتلال وفقدان الأرض والقتل والتشريد وكل المآسي والأحزان التي عانها الشعب الفلسطيني.
أن الرابط بين هذه الروايات التي ذكرتها هو أنني بكيت عند قرأتها وشعرت بحزن عميق وفهمت بشكل تفصيلي ما حصل ضد الشعب الفلسطيني. لذا أعتقد أن الرواية العربية تناولت القضية الفلسطينية بشكل مؤثر”.
ويشير الروائي محمود شقير إلى أن الروائي العربي اللبناني إلياس خوري من أبرز الروائيين العرب الذين انعكست القضية الفلسطينية بمختلف تفاصيلها وتشعباتها في رواياتهم، ويكفي أن نتذكر روايته “باب الشمس” التي وثّقت الذاكرة الفلسطينية على نحو رصين، وكذلك ثلاثيته الشهيرة “أولاد الغيتو” التي صوَّر فيها مذبحة اللد التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948، علاوة على تفاصيل أخرى.
ويتابع: هناك أيضًا الروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي كتب روايته “سوناتا لأشباح القدس” معتمدًا على سيرة فنانة تشكيلية مقدسية مغتربة عن مدينتها الأم، والروائي العراقي علي بدر الذي كتب “مصابيح أورشليم” معتمدًا على سيرة المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، وعلى علاقته بمدينة القدس، وذلك لتفكيك الرواية الصهيونية وتفنيدها.
وقد كتب الروائي الأردني إلياس فركوح مشاهد عن القدس في “غريق المرايا”، وكتب الروائي العراقي زهير الجزائري روايته “المغارة والسهل” عن المقاومة الفلسطينية بعد هزيمة حزيران 1967.
ويختم “أعترف بأنني لم أطلع على كل النتاجات الروائية التي ظهرت وما زالت تظهر تباعًا في الوطن العربي، فلا بدّ من وجود روايات غير التي ذكرتها، كانت مكرسة للدفاع عن فلسطين وشعبها، ولذلك فإنني أعتذر عن هذا التقصير”.