منصة الصباح

حكومة عن حكومة تفرق

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

في عدد الخميس الماضي، وفي زاويته المعهودة، تعرّض الكاتب عبد الرزاق الداهش إلى موضوع علاقة المواطنة بدفع الضرائب. وأصاب بربطه بين الإثنين. ففي عالم الدساتير والقوانين، لا مواطنة من دون دفع ضرائب، ولذلك السبب أطلق على المواطن اسم دافع الضرائب. وتحددت، في خطوط واضحة، العلاقة في البلدان الديمقراطية بالحقوق والواجبات لكل من الحكومة والمواطن، من دون اعتداء أحدهما على الآخر. واجبات الحكومة معروفة وحقوق المواطن محمية دستورياً وقانونياً، شريطة القيام بما يتوجب على الإثنين بما عليهما من واجبات ومسؤوليات.

السيد الداهش هدف من خوض الموضوع التعرّض لمسألة انعدام الوعي بالمواطنة في بلداننا العالمثالثية، إذ يقول إن المواطن فيها يطالب من الحكومة بحقوقه من دون القيام بواجباته وتحمّل مسؤولياته في دفع الضريبة. وأنا لا أخالفه الرأي.

إلا أنّه، ولا أعرف السبب، تفادى التعرض للأسباب وراء رفض المواطن في ليبيا على سبيل المثال لا الحصر دفع الضريبة، ومن تهرّب التجار وأصحاب المصحات الطبية والورش وغيرهم من دفع الضرائب للحكومة. وأنا وأثق جداً أن السيد الداهش لا تغيب عليه معرفة الأسباب. إلا أنّه، لحاجة في نفسه، ارتأى الإشارة إلى قصور المواطن في التعامل مع الضريبة، وغض الطرف عن التعرض للحكومات. الأمر الذي جعلني أسارع بتوضيح ما سعى هو قصداً إلى تجنّبه.

من المهم التذكير بحقيقة ماثلة في واقعنا المعاصر، وهي أن حكومة عن حكومة تفرق. والتعميم بينها، في هذة الحالة، يجانب الصواب.

ذلك أن حكومات بلدان العالم الأول وحكومات العالم الثالث لا يتشابهان إلا في الاسم فقط.

حكومات العالم الثالث ليست حكومات بالمعنى المتعارف عليه في الأدبيات السياسية، وفي المناهج الدراسية التي تدرس في الجامعات. فهي، في أغلب الأحوال، غير منتخبة من المواطنين، وفي أكثرها مفروضة عليهم بقوة السلاح، أي بالغلبة. وحتى المنتخب منها شعبياً عبر صناديق الانتخابات يأتي إلى القصر الحكومي عبر التحايل والتزوير وشراء الذمم والأصوات. أضف إلى ذلك أنها تجيء إلى الحكم ليس بغرض خدمة البلاد والعباد، بل لسرقة ونهب البلاد والعباد. وأن المواطن سواء في بلادنا أو غيرها من البلدان المماثلة على حق، حين يعامل الحكومة كجسم غريب، ويستحلّ أموالها. وأنه على حق في التهرب من دفع أمواله، على شكل ضرائب إلى كيان ومؤسسات لم تأتِ لتخدمه بل لتستحل ماله وتنهبه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن الاستدلال بما حدث لدينا في ليبيا عبر الإشارة إلى فرض ضريبة مؤخراً بنسبة 20 في المائة على بيع الدولار. فهذه الضريبة فرضت لأسباب لا أحد يجهلها. وهي من الأخير مجرد نهب واضح (عيني عينك) تقوم به الحكومة ضد مواطنيها. ذلك أن النقص المزعوم في ميزانية الانفاق نتيجة السرقات والنهب من قبل المسؤولين قاد إلى العجز في الميزانية، وبدوره أفضى إلى معاقبة المواطن بدلاً من معاقبة الجناة، وهم معروفون.

المواطن الليبي أو العربي عموماً، وفي دول العالم الثالث، على استعداد لدفع الضرائب إذا، وأشدد على إذا، تيقن أنها سوف تنفق في الأوجه المخصصة لها، وليس لبناء الدارات والعمارات وشراء الحيازات الزراعية، والمزارع والسيارات والرحلات الجوية للمسؤولين في الحكومات.

المواطن في بلداننا يتهرب من دفع الضرائب لأن الحكومات تتهرب من القيام بواجباتها ومسوؤلياتها. ونحن جميعا نعرف ذلك. ومن الأولى أن نطلب من الحكومات أن تكون حكومات بالمعنى المتعارف عليه للحكومات ولخدمة الأهداف التي وجدت لتحقيقها، قبل أن نطلب من المواطن أن يتحمل مسؤولياته ويقوم بواجباته الضرائبية نحوها.

شاهد أيضاً

العَتَبُ عَلَى زَائِدِ العَقلِ

  باختصار تابع الليبيون جميعًا ما تعرض له أبناؤهم، أعضاء الفريق الوطني لكرة القدم، من …