منصة الصباح

مَرْحَبًا… حُرَّاسَ بَيْتِ مَالِ اللِّيبِيِّينَ

باختصار

د. علي عاشور

منذ سنوات والاقتصاد الليبي يعيش حالة من التخبط والعشوائية، نتيجة لعدم قدرة مصرف ليبيا المركزي -العمود الفقري للنظام المالي في البلاد- عن تحقيق التوازن المالي وتنظيم السياسة النقدية فيها، فقد عجز عن اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي ينشده المواطن الليبي، بدءً من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، إلى تدهور قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وكل هذه المؤشرات عكست بوضوح فشل إدارة الصديق الكبير في إدارة الأزمات المالية المتلاحقة. وكيف لا؟ وقد كان يظن نفسه الرجل الوحيد الأمين على أموال الليبيين، حتى إنه لم يُشكل مجلس إدارة لهذه المؤسسة المهمة، واستمر في إدارة بيت مال الليبيين بمفرده كل هذه السنين.

ما يثير الدهشة أن المصرف المركزي، بدلاً من أن يكون صمام الأمان الذي يواجه التحديات الاقتصادية، بات في مقدمة قائمة الأزمات عند الليبيين، فالقرارات المتأخرة، والتعثر في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والتأثير السلبي في مصير السيولة النقدية، وضريبة سعر الصرف، كل ذلك دفع بالناس -منذ فترة- إلى التساؤل: هل ما زال بوسع إدارة الرجل الواحد أن تقود سفينة بيت مال المواطنين إلى بر الأمان؟

إن إقالة الصديق الكبير لم تكن مجرد مطلب سياسي كما يظن الكثيرين، بل كانت ضرورة وطنية واقتصادية تمليها الظروف الراهنة، فالاقتصاد الليبي ينادى بإدارة جديدة تحمل رؤية مختلفة، قادرة على معالجة الأزمات الهيكلية، وتستطيع النهوض بمصرف ليبيا المركزي ليكون مؤسسة قوية وشفافة، تحقق المصلحة العامة بعيدًا عن التجاذبات السياسية والتكتلات.

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أنه لو استمر الصديق الكبير في منصبه، لازداد وضع المواطن البسيط سوءاً، لأنه هو يدفع ثمن السياسات النقدية الفاشلة التي يتبناها الكبير، فقد رأينا كيف تأثرت حياة الناس بشكل مباشر، حيث زادت الأعباء المالية، وتراجع مستوى الخدمات، وتفاقمت معدلات البطالة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الأزمة الخانقة في السيولة، نتيجة الضريبة التي فرضها على سعر الصرف، والتي جعلت من الحصول على الأموال النقدية أمرًا بالغ الصعوبة، حتى باتت الطوابير أمام المصارف مشهدًا يوميًا يعكس الفشل التام في إدارة الأوضاع.

لذلك كان لا بد من ضخ دماء وطنية جديدة في إدارة مصرف ليبيا المركزي، شخصيات يمكن أن نطلق عليها “حراس بيت مال الليبيين”، تمتلك الكفاءة والشفافية، وتتحلى بالشجاعة لاتخاذ القرارات الجريئة التي تصب في مصلحة الاقتصاد الليبي، لذا، كان قرار إقالة الكبير قراراً شجاعاً وموفقاً، مع معرفتنا إن تغيير إدارة المصرف ليس حلاً سحريًا لكافة الأزمات، لكنه خطوة أولى في اتجاه إصلاح مؤسسات الدولة الاقتصادية، وتمهيد الطريق نحو الاستقرار المالي المنشود.

 

شاهد أيضاً

صلاح البلاد في إصلاح التعليم

للتذكير جيل الخمسينات وانا أحدهم كانت الدولة حديثة العهد وتفتقر للمقومات ، والمجتمع يعاني متلازمة …