منصة الصباح

نَظْرَةٌ نَاقِدَةٌ لِلْعَمَالَةِ الْوَافِدَةِ

باختصار

الدكتور علي عاشور

أصبح (كوبري العمال) و(جزيرة العمال) من المعالم المعروفة عند الليبيين وساكني طرابلس تحديداً، وذلك بفضل كثرة العمالة الموجودة في هذين الموقعين.

والحقيقة أنهما ليسا الموقعين الوحيدين اللذين تتواجد فيهما الأعداد المهولة من العمالة الوافدة في طرابلس، بل إنك لن تجد كيلومتراً واحداً من الطرق الداخلية في طرابلس إلا ويقابلك عامل أو مجموعة عمال من إحدى الجنسيات الموجودة في ليبيا، لا سيما الأفريقية.

فليبيا وجهة جاذبة للعمالة الوافدة من مختلف الجنسيات الباحثة عن العمل وضمان لقمة العيش. ومع ذلك، فرغم فوائد هذه العمالة الاقتصادية والتنموية والخدمية، إلا أنها تشكل تحديات كبيرة في ظل غياب تنظيم فعال لها.

لا أحد ينكر أنه في العقود الماضية ساهمت العمالة الوافدة بشكل كبير في تعزيز القطاعات الاقتصادية والخدمية في ليبيا، خاصة في مجالات الزراعة، البناء، والخدمات، وبفضل هذه العمالة، تمكنت البلاد من إنجاز مشروعات تنموية كان من الصعوبة تحقيقها بالاعتماد على القوى المحلية فقط. لكن، هذا الاعتماد لم يكن مصحوبًا بتنظيم كافٍ، مما أدى إلى بروز مشكلات عديدة مثل البطالة بين الليبيين، وتزايد الاقتصاد غير الرسمي، وأحيانًا تأثيرات سلبية على النسيج الاجتماعي.

وعندما نتحدث عن العمالة الوافدة، لا يمكن إغفال المشكلات العديدة التي تنجم عن عدم تنظيم هذه الفئة، وتعد البطالة في صفوف الشباب الليبي من أبرز تلك المشكلات، إذ يتسبب تدفق العمالة الأجنبية غير المنظمة في إقصاء الكثير من الليبيين عن فرص العمل. فبدلاً من أن تكون البلاد مستفيدة من تنوع القوى العاملة، أصبحت تواجه منافسة غير متكافئة بين اليد العاملة المحلية والأجنبية، لا سيما مع انخفاض تكلفة توظيف العمالة الوافدة مقارنة بالعناصر المحلية.

كذلك يشكل غياب التنظيم تحديًا أمنيًا واجتماعيًا في الوقت نفسه، فالعديد من العمالة الوافدة تدخل البلاد بشكل غير قانوني، ما يزيد الأعباء الأمنية ويعرقل جهود الاستقرار، كما أن غياب الرقابة والتنظيم يؤدي إلى انتشار ممارسات استغلالية، سواء للعمال أنفسهم أو للموارد المحلية، ويزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة. فالكهرباء والمياه والوقود كلها خدمات يستفيد منها العامل الوافد أسوةً بالمواطن الليبي، دون أن يدفع مليماً واحداً زائداً عنه، ناهيك عن الضرائب ورسوم الإقامة وغيرها من المبالغ التي يجب أن يدفعها كل من هو غير ليبي ويريد الدخول أو الإقامة في هذه البلاد، فالدولة يجب أن تستفيد من هذه المبالغ وفقاً للقوانين المنظمة.

تنظيم العمالة الوافدة في ليبيا ليس فقط ضرورة اقتصادية ملحة، بل هو ضرورة اجتماعية وإنسانية أيضًا، فتنظيم هذا القطاع يحقق فوائد مزدوجة، فهو يوفر فرص عمل لليبيين، ويحمي العمالة الوافدة نفسها من الاستغلال ويمنحها بيئة عمل آمنة تحترم حقوق الإنسان والعمال، وهذا لا يتم إلا بتوافر إطار قانوني واضح، مع مراقبة للحدود، وتدريب العمالة المحلية من الشباب الليبي وتأهيلهم، وقبل هذا وذاك إرادة وطنية صادقة لحلحلة هذا الملف المهم والشائك.

 

 

شاهد أيضاً

*أولويات الإصلاح الصحي*

د.علي المبروك أبوقرين   حدث في العقدين الأخيرين تطور متسارع في التقنية والتكنولوجيا الطبية مما …