باختصار
د. علي عاشور
أصبحت الدروس الخصوصية أو ما يسميها البعض (معلمة الشنطة) جزءًا لا يتجزأ من حياة الأسر الليبية، حتى باتت ظاهرة تحتاج إلى دراسة علمية تبحث عن أسبابها ونتائجها وحلولها، إذ يلجأ أولياء الأمور إلى هذه الدروس لمساعدة أبنائهم على تحسين مستواهم الأكاديمي ومواكبة المتطلبات المتزايدة في المناهج الدراسية، سواء كان الأبناء يدرسون في المدارس العامة أو الخاصة… وعلى الرغم من هذه الظاهرة قد تبدو حلًاً مناسبًا لتجاوز العقبات الدراسية، إلا أنها تمثل مصدراً للضغط المالي والنفسي على العديد من الأسر.
تعاني الكثير من الأسر من الأعباء المالية الناتجة عن الحاجة المتزايدة لتوفير الدروس الخصوصية، فقد أصبحت أسعار هذه الدروس في تزايد مستمر، حتى أمست تتأثر بسعر الصرف في السوق الموازية، مما أثقل كاهل أولياء الأمور الذين يحاولون تلبية احتياجات أبنائهم الدراسية إلى جانب المصاريف الأخرى، حتى أن بعض الأسر تستغني عن بعض احتياجاتها الأساسية لضمان استمرار أبنائها في تلقي الدعم الأكاديمي الذي يحتاجونه.
بالإضافة إلى العبء المالي، هناك الضغوط النفسية الناتجة عن القلق المستمر بشأن مستقبل الأبناء التعليمي، إذ يشعر الكثير من أولياء الأمور بالتقصير تجاه أبنائهم إذا لم يتمكنوا من توفير الدروس الخصوصية لهم، خاصةً في ظل التنافس الشديد بين الطلاب وارتفاع متطلبات التعليم، هذا الشعور بالتقصير يولد ضغوطًا إضافية تؤثر في العلاقات الأسرية وتزيد من التوتر داخل الأسرة.
لكن السؤال الأهم هنا هو: ما أسباب انتشار معلمة الشنطة في البلاد، رغم أن أغلب الآباء والأمهات من الشريحة المتعلمة في المجتمع؟، لعل اختلاف المناهج التي درسها أولياء الأمور في الماضي والمناهج الحالية التي يدرسها أبناؤهم، أحد أهم الأسباب التي تدفع أولياء الأمور لدفع جزء كبير من مرتباتهم لمعلمة الشنطة ومراكز دورات التقوية.
إضافة إلى ذلك، يشعر الوالدان بأن المدرسة لم تعد تقدم الدعم الأكاديمي الكافي. فالكثير من الطلاب يجدون صعوبة في متابعة المناهج الدراسية داخل الفصول، مما يدفع أولياء الأمور إلى البحث عن بدائل لتحسين مستوى أبنائهم. وعلى الرغم من وجود معلمين ومعلمات أكفاء، إلا أن تقديم الدعم الفردي لكل طالب أصبح أمرًا صعبًا. فقد تغير نظام التعليم منذ فترة طويلة، حيث كان المعلم في السابق يبقى في الفصل طوال اليوم الدراسي ويُدرس جميع المواد، بينما الآن أصبح لكل مادة معلم متخصص يقدم درسًا مدته خمس وأربعون دقيقة، ثم يأتي معلم آخر ليُدرس مادة أخرى، ويضم الفصل عددًا كبيرًا من التلاميذ. لذا، من الصعب على المعلم أن يتابع كل طالب في هذا الوقت القصير، على عكس ما كان عليه الحال في النظام القديم، حيث كان “معلم الفصل” يمر على جميع الطلاب بعد أن يشرح الدرس بشكل وافي.
وعلى الرغم من الفوائد التي تقدمها “معلمة الشنطة” من خلال الدروس الخصوصية، إلا أن لها آثارًا سلبية على التلاميذ. فالكثير منهم يجدون أنفسهم غارقين في ساعات طويلة من الدراسة صباحًا في المدرسة، ومساءً مع المعلمين الخصوصيين، مما يحد من وقتهم للترفيه أو ممارسة الأنشطة الأخرى. هذا الضغط المستمر قد يؤدي إلى شعور الأطفال بالإجهاد أو حتى النفور من الدراسة.
لذلك، ينبغي على وزارة التربية والتعليم العمل على تحسين جودة التعليم في المدارس وتوفير الدعم الأكاديمي الكافي داخل الفصول. كما يمكن تشجيع نماذج التعليم التعاوني التي تعتمد على مشاركة الطلاب والمعلمين في جلسات تعلم جماعية، بدلاً من الاعتماد الكلي على الدروس الخصوصية، إذ أن معاناة الوالدين مع هذه الدروس كبيرة ومعقدة، وتتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية لتخفيف الأعباء المالية والنفسية عن الأسر، وضمان توفير بيئة تعليمية داعمة للطلاب.