د. علي عاشور
يبدو أننا شعب يرتبط بعلاقة قوية ومتينة وقديمة مع الإشاعات، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سواء كان الأمر يتعلق بأخبار الشأن العام، تلك المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، أو الأخبار الشخصية، والتي دائما ما يسيل لها لُعاب أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي.
ومع تزايد انتشار هذه المواقع، أصبح من السهل جدًا نشر أي معلومة، صحيحة كانت أم مغلوطة، دقيقة كانت أم لا، في ثوانٍ معدودة، إذ تتلقفها تلك المواقع بسرعة البرق، بحثاً عن عدد أكبر من التفاعلات والإعجابات. لكن، لماذا نصدق الإشاعات؟ ولماذا نساهم أحيانًا في نشرها؟.
في اعتقادي، أن هناك أسبابا متعددة ومتنوعة تجعلنا لقمةً سائغة لتلك الإشاعات، أهمها: أننا شعب يعاني تاريخياً من نقص الثقة في المصادر الرسمية للمعلومات، فقد عانى الليبيون منذ زمن من نقص الشفافية والثقة في مؤسسات الدولة والإعلام الرسمي، حيث حُجبت عنهم الكثير من المعلومات والبيانات، وزُيفت لهم الحقائق، وسُوقت لهم الأوهام والأحلام…. هذا النقص في الثقة جعلنا شعباً يبحث عن مصادر بديلة للمعلومات، وغالبًا ما تكون هذه المصادر غير موثوقة، وما أكثرها في هذا الوقت.
كما يؤدي التحيز -أياً كان نوعه- دورًا كبيرًا في تصديق أغلبنا للإشاعات، فكثيرًا ما نميل إلى تصديق الأخبار التي تتوافق مع توجهاتنا ورغباتنا ومعتقداتنا، بينما نرفض أو نتجاهل الأخبار التي تتعارض مع كل ذلك، هذا التحيز يجعلنا عرضةً لتصديق الإشاعات التي تتماشى مع آرائنا، حتى وإن كانت غير مدعومة بأدلة قوية.
لذلك فأن مسؤولية مكافحة الإشاعات تقع على عاتق الجميع، الأفراد مطالبون بضرورة التحقق من مصادر المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها وإعادة نشرها، كما أن على وسائل الإعلام المختلفة واجباً كبيراً في نقل الأخبار بشكل مهني وموضوعي، والتأكد من صحة ودقة المعلومات قبل نشرها وبثها.
فرغم سهولة ترويج الإشاعة، وسرعة انتشارها وشدة تأثيرها، إلا أنه ليس من المستحيل التصدي لها، إذ يمكن ذلك بفاعلية من خلال تعزيز الوعي والمعرفة المجتمعية، وهذه العملية لا يستطيع أحد القيام بها أفضل من وسائل الاتصال والإعلام، التي تعي جيداً أن كل معلومة تحمل في طياتها مسؤولية، انطلاقاً من أن العاملين فيها هم من النخب التي تمتلك القدرة على التصدي للإشاعات، وحماية المجتمع من آثارها السلبية، فالوعي والمعرفة هما السلاحان الأقوى في مواجهة هذا الوباء.