جمعة بوكليب
زايد…ناقص
مَنْ يلاحقُ مَنْ، في علاقة الإنسان بماضيه وبمستقبله؟
وبمعنى أوضح: هههل الماضي يلُاحقنا أم نحن من يلاحقه؟ والمستقبل؟
السائدُ والمتعارفُ عليه، أن الماضي هو الفاعل، أي من يقوم بالملاحقة والمطاردة، والانسان مفعول به. وكأن الماضي شبحٌ يقتفي أثرنا في مراحل مختلفة من حياتنا، ويثقل أرواحنا، ويقلقنا، ويضيق أمامنا من رحابة الحياة.
كنتُ، إلى وقت قصير جداً، أعتقد ذلك. ثم وقعتْ بين يدي مؤخراً نسخة من رواية متميزة، مكتوبة باللغة الفرنسية، ومترجمة إلى اللغة الانجليزية اسمها ” أكثر ذكريات الرجال سرّية” لروائي سنغالي شاب ومتميّز، يعيش في باريس، اسمه محمد مبوقار سار-Mohamed Mbougar Sarr.
في جزء متقدم من الرواية يناقش الروائي هذه المسألة، عن طريق احدى شخصيات الرواية(امرأة وكاتبة) حيث يؤكد من خلالها أن الإنسان هو من يلاحق الماضي وليس العكس. ويضيف على لسانها قائلاً إن تفكيرنا في الماضي يقتصر على تصحيح الأخطاء من دون خوف من عقاب. في حين أن التفكير في المستقبل يكون مصحوباً بالخوف والأمل في آن معاً.
وفي وجهة النظرهذه، فإن العلاقة بالماضي تنحصر في محاولة يائسة لتصحيح ما أرتكبنا من أخطاء، من دون خوف أن ينالنا عقاب، رغم علمنا المسبق باستحالة إعادة عقارب الساعات إلى الوراء. وبالتالي استحالة تصحيح تلك الأخطاء. يقول الروائي على لسان المرأة:” الخوفُ من الماضي لا يحمل سوى وزنه من القلق والإنزعاج، إذ حتى الندم والتوبة لا تكفيان لتغيير طبيعته غير القابلة للرد، بل على العكس هما تأكيد على أصالتها. فأنت لا تندم فقط على ما مضى، بل أكثر من ذلك، أنت تندم كذلك على ما سيكون إلى الأبد.” ويضيف: “الماضي يجعل الانسان مدركاً بشكل تراجيدي أنّه ما لا يمكن اصلاحه أو استرجاعه، وهذا تحديداً ما يصيب الانسان بالاضطراب.” ويرى كذلك على لسان نفس الشخصية الروائية “أن الناس تظن أن الماضي يلاحق الحاضر ويقلقه، في حين أن العكس هو الصحيح. أي أننا نحن من نلاحق من عاشوا قبلنا، لذلك نحنُ الأشباح الحقيقون لتاريخنا. أي أننا أشباح الأشباح.”
وتفسير ذلك، هو أنه حين يفكر أغلبنا، يكون تفكيرنا متجهاً في خط سير ورائي، استرجاع في الزمن، أي نحو ما فات وأنقضى، في ملاحقة للماضي. وكأننا نسير للامام بوجوه ملتفتة إلى الخلف. نفكر فيما انقضى، ومن انتهوا. ونتمنّى، أغلب الأوقات، لو تعود عقارب الساعات إلى الوراء كي يمكننا تصحيح ما أرتكبنا من أخطاء في زمن ولّى وأنقضى، وبلا خوف من عقاب. أي أن الملاحقة تتم من جانبنا نحن للماضي، وليس العكس. نحن الفاعل، والماضي مفعول به.
وفيما يتعلق بالعلاقة بالمستقبل، يرى الكاتب، على لسان نفس المرأة في الرواية، أنها علاقة بملامح غائمة، ينقصها الوضوح، مما يسبب عدم الارتياح، ومن ذلك يتأتى الخوف والأمل في آن معاً. الخوف مما لا نعرف والأمل فيه، حتى وإن كان ضئيلاً، وقد لا يأتي مطلقاً. فهي تقول:”الخوفُ من المستقبل دائماً يحمل الأمل، ولو كان ضيئلاً، حتى وأن كنّا نعرف ماذا سيكون، ويحتمل تلاشيه، أو ما يمكن، وبمقدورنا فعله.”