هل نفرح أم نحزن لخبر اكتشاف علماء الفضاء الاميركيين خزانات ماء جوفية كوكب المريخ؟ لكل عُملة وجهان. الفرحُ وجهها الأول.
وهو فرح حقيقي بنجاحات الانسان وتقدمه في مجالات علوم الفضاء.
واكتشاف وجود خزانات مائية جوفية في الكوكب الأحمر البعيد، تبشر باستعماره قريباً من قبل بني آدم خلال العقود المقبلة، وانفتاح آفاق جديدة أمام الحياة الإنسانية.
الحزن وجهها الثاني. الخبر ذاته قد يكون باعثاً على الحزن، لعلمنا المسبق أن وصول الانسان إلى المريخ واستعماره سيقود إلى اصابته بعدوى الصراعات والحروب على الموارد بين مختلف الدول. ثم ينتقل التنافس والصراع إلى الأفراد.
إذ سرعان ما يبدأ الواصلون في تسييج الأرض بسياجات وبأسوار علامة الامتلاك الخاص، وحرمان غيرهم منها.
الانسان أينما حلّ لا يمكنه أن يعيش من دون حروب وصراعات على كل شيء.
الرغبة في الامتلاك والاستحواذ تقوده. والرغبة في السيطرة على الموارد الطبيعية والمعدنية وعلى غيره من البشر تتملكه. والتاريخ الإنساني ليس سوى ملحمة طويلة ومحزنة تروي بشجن وآسى قصة الكائن البشري في سعيه للسيطرة والامتلاك والاستحواذ.
وهذا يعني ضمنياً أن كوكب المريخ البعيد سيكون ساحة جديدة ينتقل إليها الانسان بصراعاته ورغباته وأنانيته. التجارب التاريخية تؤكد على أن الانسان يبدأ بالقضاء على ما يجده متوطناً في المكان الجديد، من كائنات حيوانية أو نباتية أو بشرية. وبشيء من الهدوء، يمكننا أن نستعيد قصة استحواذ المهاجرين البيض على قارة أمريكا، بعد اكتشافها. وأن تلك القصة سوف تتكرر حتماً، فوق سطح المريخ، باختلافات في التفاصيل.
لكن الكائن البشري الذي سيحط ُّعلى الكوكب المكتشف، لن يختلف في نواياه ورغباته عن الكائن البشري الذي وصل قارة أمريكا. هل أخطأت التقدير والتنبؤ أو أكثرت من جرعة التشاؤم؟ لآ أظنني أخطأت كثيراً.
وما قلته آنفا ليس من بنات أفكاري، أو من حُصالة تشاؤمي، بل من قراءة التاريخ، ومن متابعة متواصلة للشؤون الدولية، وما يصدر من تقارير عن الصراعات التي بدأت تنشب بين أمريكا والصين، على اعتبار أنهما الدولتان المرشحتان قبل غيرهما بالوصول إلى المريخ واستعماره.
نظرا لحرصمهما على تشييد قواعد انطلاق فضائية على سطح القمر لاختصار المسافات نحوه. التقارير تؤكد أن الأمريكيين، قد قاموا فعلياً، على الخرائط، بتسييج الأراضي والمناطق التي يحتمل أن تكون غنية بالثروات المعدنية.
والصينيون بدورهم قاموا كذلك بتسييج ما يخصّهم. وهناك احتمال نشوب صراع بين الدولتين على مناطق متخاصم عليها فوق سطح القمر. هذا على مستوى الدول.
أما على مستوى الأفراد فإن توقعاتي تشير إلى عدداً كبيراً من المغامرين الجشعين سيسارعون ليكونوا ضمن أوائل المسافرين إلى ذلك الكوكب البعيد، ولأهداف لا تخفى على أحد. مسكين كوكب المريخ.
“واجعني حاله.” كان يعيش في سلام، في منأى من البشر وصراعاتهم. وهاهو الآن، يقع فريسة لأطماعم التي لا تعرف حدوداً، وليس لها نهاية.
والأمل ألا يحوّله البشرُ إلى سجن كبير، كما فعل البريطانيون حين اكتشفوا قارة استراليا واحتلوها. وجعلوها سجناً وعقاباً لكل من يتطاول على الملك وسلطاته، أو يتجاوز حدود القانون.
وعلى ذكر السجن، الانسان كائن غريب. فحين اخترع السجن، وسوّره بأسوار وبأبواب وبحرس، لم ينس أن يخترع سجناً آخر داخله، أطلق عليه اسم السجن الانفرادي.
وهي فكرة لا تخطر حتى على بال أدهى الشياطين، وكبيرهم إبليس اللعين.